أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    28-Aug-2025

الدولة بين العميق والسطحي*مالك العثامنة

 الغد

صرنا بحاجة اليوم إلى إعادة تعريف للمفاهيم الأساسية التي تقوم عليها فكرة الدولة: المواطنة، المؤسسات، القوانين، وحتى معنى "رجل الدولة"، فكلما تعقّدت التحديات وتشابكت التحولات، برزت الحاجة إلى العودة إلى الجذور الأولى التي قامت عليها الدولة الأردنية، تلك الجذور التي كانت أكثر وضوحًا ونقاءً في مراحلها المبكرة.
 
 
في تلك المراحل، لم يكن لقب "دولة" الذي يسبق منصب رئيس الوزراء نوعًا من الترف أو مهرجان الألقاب. كان اللقب يعني مسؤولية حقيقية ورمزية عميقة؛ أن تكون رأس الجهاز التنفيذي للدولة، وتدرك أنك تعمل ضمن منظومة يقف في قمتها رأس الدولة، كما نصّ الدستور الذي نفخر به منذ عام 1952. وقتها، كانت المؤسسات أكثر فاعلية، وكانت الهيبة مستمدة من وضوح الأدوار واحترام النصوص، وفهم روح التشريع لكسر قوالبه الجامدة.
اليوم، تتوه بعض الأصوات في ضباب الذاتية، فتصبح الرواية الشخصية محورا للنقاش العام، وتتحوّل تجارب الحكم إلى حكايات فردية، تُختزل فيها الدولة إلى مواقف وقرارات شخصية، وكأن التاريخ يبدأ وينتهي عند الأشخاص، وهنا يختلط النقد بالتبرير، وتضيع الحقائق بين حنين إلى زمن مضى ورغبة في تفسير الحاضر بأدوات الماضي.
رجل الدولة الحقيقي لا ينشغل بتصفية الحسابات أو استدعاء البطولات الفردية، بل يدرك أن الأمانة التي يحملها أكبر من ذاته، فهو يقرأ السياق الوطني بعمق، ويعرف أن الحكمة لا تحتاج إلى ضجيج، وأن الدولة بمؤسساتها وقوانينها أكبر وأبقى من أي تجربة عابرة.
الحديث عن الدولة لا يجوز أن يُختزل في زوايا ضيقة أو يُستغل في جدالات موسمية، فالمؤسسات هي الضامن الوحيد لاستقرار الدولة واستمرارها، والوعي السياسي الرصين هو ما يحمي المجتمع من الانجرار وراء السرديات الانفعالية.
 النقد حق، بل واجب، لكن النقد الذي يضيف إلى الفهم العام ويعزز ثقة الناس بالدولة يختلف عن النقد الذي يهدف إلى تسجيل النقاط أو إعادة رسم صورة الماضي بما يخدم مصالح آنية، أو تصفية حسابات بأثر رجعي، أو مجاملات شخصية لحساب من يستهدفون تقويض فكرة الدولة في الوجدان العام.
واليوم، ونحن نشهد مسارات الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، ضمن عملية تحديث متكاملة تقودها الدولة بثقة ووضوح، تصبح الحاجة أكثر إلحاحًا إلى تجاوز الخطابات الفردية والانفعالية، وإلى دعم مؤسسات الدولة في مسيرتها نحو التحديث، فهذه المرحلة ليست ترفا سياسيا ولا استجابة لحظة عابرة، بل هي مشروع وطني يستند إلى رؤية عميقة لمستقبل الأردن، تُعيد ترتيب الأولويات، وتفتح الباب واسعا أمام مشاركة حقيقية، وتحديث مؤسسي يحفظ هيبة الدولة ويعزز ثقة المواطن بها.
الدولة التي نؤمن بها ونسعى إلى ترسيخها لا تبنى بالانفعال ولا بالشخصنة، بل بفهم راسخ للدستور، وبإيمان حقيقي بأن قوة المؤسسات هي صمام الأمان، وبوعي بأن التحديث والإصلاح هما الطريق الأمثل لصناعة المستقبل الذي يليق بالأردنيين جميعًا، والأهم أنه يجب أن يليق بتاريخ هذه الدولة في مئويتها الثانية.