الدستور
يُعد التنقيب عن النفط والغاز في الأردن قصة طويلة تمتد لأكثر من سبعة عقود، حافلة بالطموح الوطني والتحديات الجيولوجية والاقتصادية.
منذ بداية الجهود في منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، مرّت هذه الرحلة بمراحل متعددة، شهدت خلالها الأردن محاولات مكثفة لاستكشاف مواردها البترولية، وسط آمال كبيرة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة.
تاريخ التنقيب عن النفط في الأردن، أبرز المحطات، الإنجازات، والتحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي.
البدايات: مرحلة الشركات الأجنبية (1947-1980)
بدأت قصة التنقيب عن النفط في الأردن عام 1947، عندما حصلت شركة نفط العراق على امتياز للتنقيب في جميع أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية. في ذلك الوقت، كان اكتشاف النفط في دول الجوار، مثل السعودية والعراق، يغذي الأمل بوجود احتياطيات مماثلة في الأردن. لكن هذه الاتفاقية أُلغيت عام 1954 دون حفر أي آبار، حيث اقتصرت الأعمال على المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيائية.
خلال الخمسينيات والستينيات، جذبت الأردن عدة شركات أجنبية، مثل شركة «فيليبس» الأمريكية التي حفرت ستة آبار بين عامي 1956 و1960، وشركة «ميكوم» الأمريكية التي حفرت أربعة آبار بين 1964 و1966، وشركة «إينا» اليوغوسلافية التي حفرت أربعة آبار عميقة بين 1968 و1971. رغم هذه الجهود، لم تسفر هذه الحفريات عن اكتشافات تجارية مجدية، بسبب التعقيدات الجيولوجية للأراضي الأردنية، حيث تتوزع المكامن النفطية في جيوب صغيرة بدلاً من حقول نفطية متكاملة. هذا الواقع أدى إلى تراجع اهتمام الشركات الأجنبية تدريجياً، مما دفع الأردن إلى البحث عن حلول داخلية.
البرنامج الوطني: الاعتماد على الذات (1980-1995)
مع بداية الثمانينيات، قررت الحكومة الأردنية تحمل مسؤولية التنقيب بنفسها، عبر سلطة المصادر الطبيعية التي أطلقت برنامجًا وطنيًا للتنقيب بتمويل من ميزانية الدولة. خلال هذه المرحلة، تم حفر 87 بئرًا بأعماق تتراوح بين 1700 و4500 متر، بتكلفة إجمالية بلغت حوالي 250 مليون دولار. كانت هذه المرحلة بمثابة اختبار حقيقي للقدرات الوطنية، حيث اعتمدت على كوادر أردنية مدربة وبدعم فني محدود.
أثمرت هذه الجهود عن اكتشافين مهمين: الأول في حقل حمزة عام 1984، حيث تم استخراج النفط بكميات محدودة (حوالي 200 برميل يوميًا )، والثاني في حقل الريشة عام 1987 بالقرب من الحدود العراقية، حيث تم اكتشاف الغاز الطبيعي. ورغم أهمية هذه الاكتشافات، إلا أن الكميات كانت متواضعة، حيث لم تلبِ سوى جزء ضئيل من احتياجات الأردن المتزايدة من الطاقة. التكلفة العالية للتنقيب مقارنة بالعائد جعلت هذه المرحلة مثيرة للجدل، لكنها وضعت الأساس لتطوير القطاع في المستقبل.
شركة البترول الوطنية: مرحلة التأسيس والتحديات (1995-2014)
في عام 1995، أُسست شركة البترول الوطنية الأردنية كذراع تنفيذي لتطوير قطاع النفط والغاز بأسس اقتصادية وعلمية. حصلت الشركة على امتياز لتطوير حقل الريشة الغازي لمدة 50 عامًا (1996-2046)، بهدف تعزيز الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي. خلال هذه الفترة، واجهت الشركة تحديات كبيرة، منها نقص التمويل، التعقيدات الجيولوجية، ومحدودية التكنولوجيا المتاحة.
أنتج حقل الريشة ما بين 8 و15 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز، وهو رقم لا يكاد يغطي 1 ٪ من احتياجات الأردن من الطاقة. في محاولة لتعزيز الإنتاج، وقّعت الحكومة الأردنية عام 2009 اتفاقية مع شركة «برتش بتروليوم» (BP) لتطوير الحقل، حيث استثمرت الشركة حوالي 250 مليون دولار في المسوحات الزلزالية وحفر الآبار. لكن في عام 2014، انسحبت «برتش بتروليوم» مدعية أن حجم المكمن لا يبرر الاستثمار، تاركة وراءها بيانات جيولوجية قيمة ساعدت في دراسات لاحقة. هذا الانسحاب أثار تساؤلات حول جدوى الاعتماد على شركات أجنبية كبرى، خاصة مع نظريات المؤامرة وجود نظريات كاذبه تشير إلى ضغوط خارجية قد تعيق تطوير قطاع النفط في الأردن وهذا كليا غير صحيح.
المرحلة الحديثة: الكوادر الوطنية والتكنولوجيا المتقدمة (2014-2025)
بعد انسحاب «برتش بتروليوم»، تولت شركة البترول الوطنية مسؤولية تطوير حقل الريشة، مع تركيز متزايد على بناء الكفاءات الوطنية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة. أعادت الشركة تحليل البيانات الزلزالية لمناطق واعدة مثل الجفر والسرحان، مما كشف عن مؤشرات إيجابية لوجود النفط والغاز.
تخطط وزارة الطاقة والثروة المعدنية لحفر آبار جديدة في حقل حمزة ومنطقة الجفر اعتبارًا من عامي 2023 و2024، بهدف زيادة الإنتاج.
حتى الآن، أنتج حقل حمزة النفطي أكثر من مليون برميل تراكميًا، بينما أنتج حقل الريشة حوالي 223.8 مليار قدم مكعب من الغاز حتى عام 2019 وسيصل يوميا إلى 418 مليون قدم مكعب عام 2030 مما يحقق الاكتفاء الذاتي .
في عام 2024، وقّعت وزارة الطاقة اتفاقية مع شركة ARGAS لإجراء مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد في منطقة الجفر بتكلفة 29 مليون دولار، مع توقعات ببدء الأعمال بنهاية العام. تهدف هذه الجهود إلى زيادة إنتاج الغاز في حقل الريشة إلى 50 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول 2025.
التحديات والآفاق المستقبلية
يواجه قطاع التنقيب عن النفط والغاز في الأردن تحديات جمّة، أبرزها التعقيدات الجيولوجية التي تجعل الأردن منطقة هامشية لتواجد النفط، حيث تتوزع الاحتياطيات في جيوب صغيرة بدلاً من حقول ضخمة. إضافة إلى ذلك، تعاني الأردن من نقص الاستثمارات الأجنبية الكبرى، حيث تفضل الشركات العالمية الاستثمار في مناطق ذات مخاطر أقل ومردود أعلى.
الإنتاج الحالي من حقل حمزة (حوالي 2500-3500 برميل شهريًا) وحقل الريشة (أقل من 15 ٪ من احتياجات الغاز) يعكس الحجم المحدود لهذه الموارد مقارنة بالطلب المحلي البالغ 350 مليون قدم مكعب يوميًا.
على الجانب الإيجابي، تسعى الأردن إلى تعزيز قدراتها الوطنية من خلال تدريب الكوادر واستخدام تكنولوجيا متقدمة مثل المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد. كما أن التركيز على مناطق مثل الجفر والسرحان يفتح آفاقًا جديدة، خاصة مع وجود مؤشرات واعدة. ومع ذلك، تبقى الأسئلة حول جدوى الاستثمارات وتأثير العوامل السياسية والاقتصادية الخارجية قائمة.
رحلة التنقيب عن النفط في الأردن تعكس إصرارًا وطنيًا على استغلال الموارد الطبيعية رغم التحديات الكبيرة. من المسوحات الأولية في الأربعينيات إلى الجهود الحديثة المدعومة بالتكنولوجيا، قطع الأردن شوطًا طويلاً في بناء قدراته الذاتية. ورغم أن الإنتاج الحالي لا يزال محدودًا، فإن الخطط المستقبلية والاستثمارات في المناطق الواعدة تحمل أملًا بتحقيق تقدم ملموس.
في نهاية المطاف، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذه الجهود إلى نتائج اقتصادية مستدامة، تسهم في تقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة وتعزيز الاقتصاد الوطني.