أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    19-Nov-2025

رأسمالية أصحاب الأعمال*إسماعيل الشريف

 الدستور

الرأسمالية تُبقي الفقراء فقراء لأن ذلك ضروري لوجودها – جورج أورويل.
في مطلع كل شتاء، أعتاد أن أتصل بفني الصيانة ليتفقد البويلر « الحارقة» ويجري له ما يلزم من خدمة. بدأ عمله معي قبل سنوات بعشرة دنانير فقط، ثم ارتفع في العام الماضي إلى خمسةٍ وثلاثين دينارًا. أما هذا العام، فعندما تواصلت معه، أجابني قائلًا: الحمد لله، توسّع العمل، وسأرسل لك فنيًا من طرفي. عندها تسللت قشعريرة إلى جسدي، وتوقعت أن النتيجة لن تكون مبشّرة. جاء الفني الجديد، أنجز الصيانة المطلوبة، ثم قدّم لي فاتورة بقيمة ستين دينارًا.
هذه هي الرأسمالية: تدفع ثمن الخدمة أو السلعة، ثم تُضيف فوقه مبلغًا آخر لصاحب العمل أو المساهم، بعد أن تزدهر الأعمال وتتحول إلى شركات عملاقة. فتجد نفسك تموّل حياتهم المترفة، وسياراتهم الفاخرة، وتتابع   دون أن تدري   رحلة أبنائهم يومًا بيوم؛ من لحظة الولادة في أجنحة المستشفيات الفاخرة في الطابق الخامس عشر المطلة على عمّان كلها، مرورًا بمدارسهم الأجنبية، وجامعاتهم الأرقى في العالم، ثم حفلات زفافهم الباذخة. وبينما يعيش الآباء حياة مليئة بالراحة والرفاه، تعيش أنت حياة مثقلة بالهم، ثم يجمعكما الله في نهاية المطاف، فيواصل الأبناء ما بدأه الآباء، ويستمر الدوران ذاته بلا توقف. وكما تقول الأمثال الشعبية: المال يجر المال، والفقر يجر الصيبان.
كلّنا ندور في هذه الساقية، وسببها واحد عبّرت عنه الآية:
«إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ».
ذلك الفني الذي أرسله صاحب العمل لم يقدّم قيمة حقيقية تُضاف إلى الخدمة، وغالب الظن أنّه لا يملك دافعًا حقيقيًا لإتقان عمله، لأنه لا يحصل على العائد المناسب لجهده كما كان يفعل رئيسه حين كان يعمل بيديه في السابق.
والرد الجاهز المعلّب الذي يُقال دائمًا: إن أصحاب الأعمال هم من يتحمّلون المخاطرة، وهم الذين يستثمرون ويبتكرون، ولولاهم   كما يقولون   لما وُجدت صناعة ولا سلع ولا خدمات. لكن الحقيقة أن فني صيانة البويلر كان يعمل بيديه ويتقاضى أجرًا مباشرًا مقابل جهده، ثم ما إن تحوّل إلى صاحب عمل حتى ارتفعت فاتورته وهو جالس في منزله لا يمسك مفكًا ولا مفتاحًا. وهذا ما يسمّى   في قاموس الرأسمالية   رأسمالية أصحاب العمل.
سأوضح الفكرة أكثر: حاول أن تشتري شقة، ولن تستطيع. ستظل طوال حياتك تحت قيد الإيجار. قديمًا، كان من يرغب ببناء منزل يستدعي البنّاء، فيشيّد له البيت حجرًا فوق حجر، فيصبح ملكًا له. أما اليوم، فالمستأجر يدفع لشركات ضخمة يملكها مساهمون يقومون ببناء العمارات التي تُسعّر بأسعار لا يقدر الإنسان البسيط على شراء شقة واحدة فيها. فيشتريها الأغنياء ليؤجّروها، ويبقى الفقير مستأجرًا إلى الأبد.
هكذا تعمل المعادلة: المالكون يذهبون إلى البنوك، يحصلون على الأموال، ثم يمولون أعمالهم بالفوائد التي يدفعها   في نهاية المطاف   المستهلك وحده. ويقول الرأسماليون إن هذه المنظومة توفّر الوفرة، وتكافئ الإبداع، وإن المنافسة تخفّض الأسعار بما يصب في مصلحة المستهلكين.
لكن ثمة حقيقة جليّة لا يمكن إنكارها: السعر السوقي هو أعلى سعر يمكن الوصول إليه، بينما الأجر السوقي هو أدنى أجر يمكن الوصول إليه، أما الفارق بينهما   ذلك الهامش الواسع   فيعود بالكامل إلى صاحب العمل.
لقد التهمت الرأسمالية الموظفين، ثم بدأت تلتهم نفسها. فاليوم، يملك 10% من البشر ما يقارب 70% من ثروات العالم، بعد أن أغرقوا الموظفين في ديون لا تنتهي. وستتفاقم الأمور أكثر حين يسيطر بضع مئات من الأفراد على ما تبقى من الثروة لدى العشرة مليارات الآخرين، فتصبح الحياة كلها قائمة على الإيجار: المنازل، والهواتف، والملابس، والأثاث، والأجهزة الكهربائية  فلا تملك شيئًا على الإطلاق.
هذا هو الطريق الذي يتجه إليه العالم اليوم، وأي محاولة للتمرّد على هذا النظام ستواجهها جيوش العالم كلّها لتعيدك قسرًا إلى المسار ذاته.