الدستور
حين يقترب الشتاء من الأردن، تعود أرواح الناس لتستعد للبرد والمطر، وترقب أول قطرة تحيي الأرض بعد حرارة الصيف الطويلة. المطر عند الأردنيين ليس مجرد ماء، بل هو وعد بالحياة، وراحة للقلوب المتعبة، وتجديد للأرض والذاكرة. الأطفال يركضون في الشوارع، والمزارعون يرفعون وجوههم للسماء، والقلوب كلها تنتظر الغيث، لكن هناك من يرحب بالمطر، وهناك من يخافه لأنه لا يملك ما يكفي لتدفئة بيته أو كساء أولاده. المطر يجمعنا، يذكرنا بأيام الطفولة، بأرضنا، بحاراتنا، وبقيمة كل قطرة. هو وعد بأن الأرض بعد سكونها ستنمو من جديد، وأن كل بذرة ستنبت مهما طال الانتظار.
الفقراء في هذا الوطن يعيشون الشتاء كاختبار يومي للصبر والقوة. البطانية القديمة لا تكفي، والمدفأة ضعيفة، والأطفال يرتجفون من البرد والآباء يبحثون عن أي وسيلة لتوفير الدفء والغذاء لهم. وهنا يظهر معدن الأردن الحقيقي، معدن الناس، معدن الجيرة والرحمة. الفقير يعرف معنى الشتاء جيداً ويعرف أصوات الرياح ونوافذ البيوت المهترئة ورائحة الحطب وصعوبة جمع ثمن الغاز أو الحطب وكل يوم هو تحد جديد.
دور الحكومة أكبر من أي انتظار. الفقير لا يستطيع الانتظار والمطر إذا تأخر قد يزيد من معاناته. الحكومة الحالية بقيادة دولة جعفر حسان تعمل بجد لضمان جاهزية الوطن وأهله لمواجهة تقلبات الشتاء ولكن مع كل التقدير للجهود القائمة يبقى هناك مجال لتحسين الخطط وتوسيع نطاق الدعم ليشمل كل محتاج دون استثناء.
من أهم الاقتراحات لهذه الحكومة إنشاء منظومة متكاملة لحماية الأسر الفقيرة تشمل توزيع الدفء والكساء والغذاء بشكل مباشر ووضع آلية لتحديد الأسر الأكثر حاجة بطريقة شفافة، بحيث تصل المساعدات بسرعة وبدون وساطة، لتغطية جميع القرى والمدن، خصوصاً تلك المناطق التي يصعب الوصول إليها خلال المنخفضات الجوية.
أما المخزون المائي فهو محور آخر لا يحتمل التأجيل الأردن بلد محدود المياه والمطر المتأخر يزيد الضغط على السدود ويجعل توفير المياه تحدياً يومياً. الحكومة مطالبة بالعمل على توسعة السدود، زيادة قدرة التحلية، إعادة استخدام المياه المعالجة، صيانة شبكات النقل والتقليل من الفاقد. كما يمكن تعزيز مشاريع حصاد مياه الأمطار في القرى والمدن لتوفير مصدر إضافي يخفف الضغط عن المخزون الوطني ويضمن استدامة المياه لكل القطاعات الحيوية.
هناك أيضاً ضرورة تطوير خطط الطوارئ لكل محافظة تشمل فرقاً مجهزة للتدخل السريع عند أي عاصفة أو انقطاع في الكهرباء أو الغاز مع تزويدها بالمعدات اللازمة للوصول إلى كل بيت محتاج. كما يمكن للحكومة اعتماد برنامج رقابي لمراقبة الأسواق خلال الشتاء لضمان استقرار الأسعار وتوفير الحطب والغاز بأسعار مدروسة وتقديم الدعم المباشر للأسر الفقيرة والمتوسطة.
ومن بين الاقتراحات العملية أيضاً إطلاق برامج توعية وترشيد استهلاك المياه والطاقة بحيث يعرف المواطن أهمية الحفاظ على الموارد خلال الشتاء ويصبح شريكاً في حماية المخزون المائي للأجيال القادمة. كما يمكن تشجيع مشاريع المجتمع المدني لتقديم الدعم المباشر والمستدام للفقراء من خلال مبادرات تطوعية وجمعيات خيرية تعمل بتنسيق مع الدولة.
ومع كل هذه الخطط، يبقى دور المواطن حيوياً. الأردنيون بطبعهم يعرفون أن الجار ليس مجرد ساكن بجانبهم، بل هو أمان ودفء وعون. في الشتاء تظهر هذه القيم بشكل أوضح، عندما يمد الناس أيديهم لبعضهم البعض، يشاركون الطعام والملابس الدافئة ويساعدون من يحتاج قبل أن يطلب. هذا التضامن الشعبي يكمل أي خطة حكومية ويضمن ألا يبقى أحد وحيداً أمام البرد أو شح المياه.
الشتاء القادم ليس مجرد موسم، بل امتحان حقيقي للرحمة ولقدرة المجتمع على التضامن ولحكمة الدولة في إدارة الموارد الأساسية. الحكومة بحاجة إلى متابعة دقيقة لكل السدود والمخزون المائي ووضع خطط واضحة لكل محافظة لضمان وصول كل الدعم للأسر الأكثر حاجة. والمواطن مطالب بأن يكون جزءاً من الحل، يمد يده للجار والمحتاج، ويشارك في الحفاظ على الموارد والتقليل من الهدر.
المطر الذي سيأتي ليس مجرد ماء، بل هو اختبار للأخلاق وعد حياة للأرض وللبشر وفرصة لكل أردني أن يثبت قدرته على العطاء وأن يساهم في حماية وطنه وأهله. الشتاء قد يتأخر والغيوم قد تتأخر، لكن الفقير لا يستطيع الانتظار والحكومة والمجتمع يجب أن يكونوا جاهزين لمواجهة كل التحديات وتوفير كل ما يحتاجه الناس من دفء وماء وطعام وحماية. الأردن يستحق أن يعيش أبناؤه بكرامة وأمان مهما طال الانتظار وأن يبقى الشتاء فصل أمل وفرح لا فصل ألم ومعاناة.
حفظ الله الأردن وقيادته، ورعاهم في كل شتاء، وأدام على شعبه الأمن والكرامة والدفء، وحقق لكل مواطن ما يستحق من حياة كريمة ومستقبل آمن.