أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    17-Nov-2025

ضغوط سياسية تُعيد سيناريو النفط إلى الواجهة*هاشم عقل

 الراي 

في أعقاب إصدار تقرير “آفاق الطاقة العالمية 2025” لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، أصبحت الضغوط السياسية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محور نقاش حاد في الأوساط الدولية.
 
لسنوات، كانت الوكالة رمزاً للتوازن بين أمن الطاقة والانتقال المناخي، لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 أعادت إحياء سيناريو “السياسات الحالية الذي يتوقع نمو الطلب على النفط والغاز حتى عام 2050، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية الوكالة.
 
هل كانت هذه التغييرات استجابة مباشرة لتهديدات ترامب بقطع التمويل أو إقالة المسؤولين؟
 
التأثير المتزايد لإدارة ترامب على الوكالة، مستنداً إلى وثائق رسمية وتصريحات خبراء، في سياق يعكس التوتر بين السياسة الأمريكية والجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
 
خلفية التوتر: من الاستقلالية إلى الضغط السياسي
 
تأسست وكالة الطاقة الدولية في 1974 كرد فعل على أزمة النفط، وأصبحت اليوم تضم 31 دولة عضواً، معتمدة على الولايات المتحدة كأكبر مساهم في ميزانيتها بنسبة 14% تقريباً. تحت قيادة فاتح بيروال، المدير التنفيذي التركي، تحولت الوكالة في السنوات الأخيرة إلى صوت قوي للانتقال إلى الطاقة النظيفة، محذرة من ذروة الطلب على الوقود الأحفوري قبل 2030 وداعية إلى عدم الاستثمار الجديد في النفط. هذه الرؤية أثارت غضب دول مصدرة النفط مثل أوبك، لكنها وجدت دعماً في إدارة بايدن السابقة.
 
مع عودة ترامب، تغيرت الديناميكية جذرياً. في اليوم الأول من ولايته الثانية، أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ مرة أخرى، وأصدر أوامر تنفيذية لتعزيز إنتاج النفط والغاز، معتبراً التقارير “الخضراء” للوكالة “مضللة ومعادية للطاقة الأمريكية”. وفقاً لتقارير “بوليتيكو”، بدأت الإدارة في يوليو 2025 حملة ضغط مكثفة، متهمة الوكالة بـ”التسييس” لصالح السياسات المناخية غير الواقعية، مما يثبط الاستثمارات في صناعة النفط الأمريكية.
 
الضغوط المباشرة: تهديدات بالإقالة وقطع التمويل
 
أبرز مظاهر التأثير كان محاولة إدارة ترامب إقالة مسؤولين كبار في الوكالة. في أغسطس 2025، كشفت “بوليتيكو” عن جهود الفريق الأمريكي لاستبدال النائب الثاني في الوكالة، متهمين إياه بدعم سيناريوهات “صفر انبعاثات صافية التي تقلل من دور الوقود الأحفوري.
 
وصف وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت هذه التقارير بأنها “غير منطقية”، والذي يعتمد على السياسات الحالية دون افتراضات إضافية للانتقال المناخي.
 
هذا السيناريو، الذي أُلغي في 2020 لصالح رؤى أكثر تفاؤلاً، عاد الآن ليظهر نمو الطلب على النفط إلى 113 مليون برميل يومياً بحلول 2050، زيادة بنسبة 13% عن 2024.
 
لم يقف الأمر عند الإقالة؛ فقد هددت الإدارة بسحب الولايات المتحدة من الوكالة، مما يعني خسارة 40% من ميزانيتها، كما أفادت “ذا إنرجي ميكس”. في صيف 2025، أرسلت واشنطن مذكرات رسمية إلى الوكالة تطالب بـ”توازن أكبر” في التقارير، مشددة على أن التوقعات السابقة “تشجع على الكارثة في أمن الطاقة” بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 2022.
 
رد فاتح بيروال بأن الوكالة “مستقلة”، لكنه أكد في مقابلة مع “نيويورك تايمز” أن السيناريو الجديد يعكس “منظراً حذراً” للتقدم التكنولوجي، مثل تباطؤ انتشار السيارات الكهربائية بعد 2035.
 
التأثير على التقرير 2025: تحول في الرؤية
 
أدى هذا الضغط إلى إعادة صياغة تقرير 2025 بشكل ملحوظ. بينما يحتفظ التقرير بسيناريو STEPS الذي يتوقع تسطح الطلب على النفط عند 102 مليون برميل بحلول 2030، وNZE الذي يحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية، إلا أن CPS (التكلفة لعمليات البيع) أصبح السيناريو الرئيسي، مما يبرر استثمارات هائلة في النفط والغاز. وفقاً لـ”كاربون بريف”، أُعيد إحياء CPS “بسبب الضغط الشديد من الولايات المتحدة”، التي تمثل 14% من ميزانية الوكالة، مما يجعلها عرضة للتأثيرات السياسية.
 
اقتصادياً، يعزز هذا السيناريو نمو الاستثمارات في التكرير، خاصة في الولايات المتحدة التي أقرت مشاريع غاز طبيعي جديدة في 2025 بفضل تغييرات السياسة. ومع ذلك، يحذر التقرير من أن CPS سيؤدي إلى احترار يصل إلى 3 درجات مئوية بحلول 2100، متجاوزاً الأهداف المناخية، مما يُعد إنذاراً غير مباشر ضد الاعتماد على الوقود الأحفوري.
 
هذا التقرير بأنه “استسلام لضغوط ترامب”، لكنه أكد أن “ذروة الطلب على النفط قادمة قريباً بغض النظر عن ذلك”.
 
آراء الخبراء والردود الدولية
 
أثار التقرير جدلاً واسعاً بين الخبراء. يرى أولريك بيترسون من “كاربون بريف” أن الضغط الأمريكي “أجبر الوكالة على المشي على حبل مشدود”، محافظاً على سيناريوهات النظيفة لكنه مضيفاً “السم في القائمة” عبر CPS.
 
أما منظمات بيئية مثل غرينبيس، فتتهم الوكالة بالتنازل، محذرة من أن هذا قد يبطئ الاستثمارات في الطاقة المتجددة، التي بلغت 2.2 تريليون دولار في 2025 رغم السياسات الأمريكية.
 
من جانبها، ترحب دول مثل السعودية وروسيا بالتغيير، معتبرة إياه “عودة إلى الواقع”، بينما تدعو أوروبا والصين إلى تعزيز التعاون مع الوكالة للحفاظ على استقلاليتها.
 
إن “الذروة في الطلب على الوقود الأحفوري أصبحت أسطورة متصدعة” بسبب الضغوط، لكن الواقع الاقتصادي للطاقة المتجددة سيغلب في النهاية.
 
مستقبل الوكالة في مهب الرياح السياسية
 
يُعد تأثير ترامب على الوكالة مثالاً حياً على كيفية تشكيل السياسات الوطنية للرؤى العالمية. بينما نجحت الإدارة في إعادة سيناريو CPS، إلا أن التقرير يظل يحذر من مخاطر الاعتماد على النفط، مع نمو الطاقة الشمسية بنسبة 344% والرياح بنسبة 178% بحلول 2035 حتى في السيناريوهات المحافظة.
 
مع اقتراب مؤتمر COP30 في البرازيل، يبقى السؤال: هل ستتمكن الوكالة من الحفاظ على استقلاليتها، أم سيستمر الضغط الأمريكي في إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية؟ الإجابة ستحدد مسار الكوكب نحو مستقبل أكثر أماناً أو أكبر خطراً.