النمو الاقتصادي الشامل.. كيف نحققه؟
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
تزامنا مع إعلان الحكومة بأن النمو الاقتصادي الشامل يمثل الهدف الأساسي للبرنامج التنفيذي الثاني لرؤية التحديث الاقتصادي، تتصاعد التساؤلات حول السبل والآليات الممكنة لتحقيق هذا النمو، بدءا من المشاريع الإستراتيجية والشراكات مع القطاع الخاص، وصولا إلى تعديل التشريعات وتقديم التسهيلات للمستثمرين.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن تحقيق هذا النمو على المستوى المحلي يتطلب جهدا استثنائيا وغير تقليدي، يعتمد على تهيئة الظروف الملائمة أمام الاقتصاد الوطني، وتحريره من القيود الإدارية، والالتزام بتنفيذ برامج ومبادرات رؤية التحديث، مع توفير التمويل اللازم لضمان فعاليتها.
ويؤكد هؤلاء الخبراء أن الاقتصاد الوطني بحاجة إلى مجموعة من الإجراءات المتكاملة التي تتيح توسيع مستويات النمو والوصول إلى النمو الشامل، وتشمل مراجعة كلف مدخلات الإنتاج المرتفعة لجميع القطاعات، وتقديم حوافز تشغيلية خاصة في ملف الطاقة، وتطوير شبكة مواصلات حديثة تربط المدن والمحافظات بالمناطق الصناعية، فضلا عن خفض الرسوم والضرائب على القطاعات الاقتصادية والمواطنين لتعزيز الاستهلاك الداخلي.
ويعرف النمو الاقتصادي الشامل، بأنه نوع من النمو الاقتصادي الذي يشمل قطاعات الاقتصاد كافة بشكل متوازن وتستفيد منه جميع الفئات والمناطق، وليس مقتصرا على قطاع واحد أو منطقة معينة. يهدف هذا النمو إلى تعزيز التنمية المستدامة، وتحسين مستوى المعيشة، وخلق فرص عمل، وزيادة الدخل القومي، مع ضمان توزيع العوائد الاقتصادية بشكل عادل.
كما يشير الخبراء إلى أهمية الاستثمار في البنية التحتية لمشاريع النقل والطاقة، بما في ذلك مشروع الناقل الوطني وخطوط السكك الحديدية، والعمل على تحويل الأردن إلى مركز لوجستي إقليمي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، إلى جانب تفعيل البروتوكولات التجارية مع الدول الصديقة وتوسيع الشراكات الاقتصادية الثنائية، والتركيز على جذب الاستثمارات ودعم القطاعات ذات الميزة التنافسية، مثل صناعة التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، والسياحة العلاجية والتعليمية.
وشدد الخبراء على أن النمو الشامل يعد محركا رئيسا للتنمية الاقتصادية، وعاملا جوهريا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لما له من انعكاسات إيجابية على تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، والمساهمة في الحد من الفقر والبطالة، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
معطيات النمو الاقتصادي
ويشار إلى معدل النمو الاقتصادي تراوح خلال الأعوام الأربعة الأخيرة (2021-2024) ما بين 2.2 و2.6 %، بما متوسطه 2.4 %، ما يعد تحسنا مقارنة مع الأعوام الأربعة السابقة لها (2016-2019) التي تراوحت خلالها ما بين 1.9 و2.1 %، بما متوسطه 2 %، علما أن النمو الاقتصادي في العام 2020 (عام الجائحة)، سجل انكماشا بما نسبته -1.6 %. ويذكر أن معدل النمو الاقتصادي في المملكة ارتفع خلال الربع الأول من العام الحالي بما نسبته 2.7 %، قياسا بالفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك وفقا لبيانات دائرة الإحصاءات العامة. وكانت الموازنة العامة للعام الحالي، قدرت أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي العام 2.5 %، على أن يرتفع في العامين المقبلين إلى 3 %، فيما تستهدف رؤية التحديث الاقتصادي وصول معدل النمو الاقتصادي في المملكة خلال الأعوام المقبلة إلى 5.6 %.
تطلعات حكومية
وكان وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، مهند شحادة، أكد أن البرنامج التنفيذي الثاني لرؤية التحديث الاقتصادي يهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل من خلال زيادة معدلات التشغيل ورفع الناتج المحلي الإجمالي.
وقال شحادة، خلال إطلاق الجلسات القطاعية الأربعة الأولى للبرنامج التنفيذي للرؤية التي عقدت مؤخرا بدار رئاسة الوزراء، إن الحكومة ستطلق مشاريع إستراتيجية متكاملة في قطاعات متعددة بالشراكة مع القطاع الخاص، مبينا أن الحكومة ستلتزم بإطلاق مشاريع رائدة تتسم بالتكاملية والشمولية لخلق فرص عمل جديدة وتعزيز مستويات الدخل والرفاهية للمواطنين.
وأكد الوزير شحادة أن الحكومة تسعى لوضع منهجية استثمارية متكاملة تشمل فرصا داخل وخارج الأردن، قائلا "إن التسهيلات العملية هي حجر الزاوية لتجربة المستثمرين والمواطنين، ونعمل على تطويرها بالشراكة مع القطاع الخاص لضمان بيئة اقتصادية داعمة".
النمو الشامل بوابة إلى التنمية
وفي السياق، قال وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الأسبق، يوسف منصور، إن تحقيق النمو الشامل يمس جميع مناحي الاقتصاد، لذا يكون أثره إيجابيا على المشهدين الاقتصادي والمعيشي، موضحا أن هذا النوع من النمو هو المطلوب لتعزيز التنمية المستدامة.
وأوضح منصور أن النمو الشامل يأتي كسلسلة ممتدة من ارتفاعات معدلات النمو على مدار أعوام متتالية، ما يعزز انعكاسه الإيجابي على المؤشرات الاقتصادية المختلفة، ويضمن رفع مستوى الرضا والثقة بالاقتصاد، ويمنح القدرة على استقطاب الاستثمارات وضمان استدامة المسار الإيجابي للنمو والاستقرار.
وأشار منصور إلى أن النمو الشامل يحتاج إلى إرادة وتخطيط وتنفيذ محكم، مؤكدا أن رؤية التحديث الاقتصادي، تهدف أساسا إلى تحقيق هذا النوع؛ حيث توفرت الإرادة الملكية بإطلاق الرؤية، والتخطيط موجود من خلال البرامج التنفيذية، فيما يبقى الرهان الأكبر على حسن التنفيذ لتحقيق المستهدفات المنشودة للنمو الشامل.
جهود غير تقليدية لارتقاء عتبة النمو الشامل
من جانبه، أكد وزير الدولة لتطوير القطاع العام الأسبق، ماهر مدادحة، أن تحقيق النمو الاقتصادي الشامل يتطلب جهدا استثنائيا وغير تقليدي، يقوم على تهيئة الظروف الملائمة أمام الاقتصاد الوطني والمستثمرين، إلى جانب مراجعة التشريعات وتحرير القطاعات من القيود الإدارية والإجراءات العقيمة.
وأشار مدادحة إلى أن الاقتصاد الوطني يمر بحالة تباطؤ مستمرة، ومن المأمول أن ترفع رؤية التحديث الاقتصادي معدلات النمو تدريجيا للوصول إلى مستهدفاتها عند 5.6 %.
ولفت إلى أن جذب الاستثمارات يمثل مفتاحا لنمو الشامل، لكنها ما تزال تراوح مكانها ولم ترق إلى مستوى التطلعات، ما يستدعي العمل بجدية على معالجة البيئة الاستثمارية لتنافس إقليميا، من خلال القضاء على البيروقراطية، والتوسع في المزايا الاقتصادية المقدمة للمستثمرين، منها خفض الرسوم والضرائب والكلف الإنشائية والتشغيلية.
وأوضح أن الوصول إلى النمو الشامل يحتاج إلى تحقيق مجموعة متطلبات داخل المشهد الاقتصادي، وتتمثل بمراجعة كلف مدخلات الإنتاج المرتفعة للقطاعات الاقتصادية كافة، وتقديم حوافز تشغيلية لها، خاصة في ملف الطاقة، إضافة إلى تطوير شبكة مواصلات حديثة تربط المدن والمحافظات بالمناطق الصناعية، عدا عن خفض الرسوم والضرائب على هذه القطاعات والمواطنين على حد سواء، بما يعزز الاستهلاك الداخلي الذي يعد محركا رئيسا للنمو.
وشدد مدادحة على أهمية تفعيل البروتوكولات التجارية مع الدول الصديقة، وتوسيع الشراكات الاقتصادية الثنائية، معتبرا أن النمو الشامل هو الأساس لتحسين المستوى المعيشي، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة الدخل، بما يجعله محركا رئيسا للتنمية وعاملا جوهريا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وأشار إلى أن الدول كافة تضع النمو الشامل في صدارة أولوياتها، معربا عن أمله في أن تنجح رؤية التحديث الاقتصادي في تحقيق ذلك في الأردن، رغم التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط به.
الحاجة لإصلاحات هيكلية وجذب الاستثمارات
بدوره، قال الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة، إن الاقتصاد الأردني يشهد مؤشرات إيجابية رغم التحديات، إذ سجل نموا بنسبة 2.7 % في الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، متجاوزا توقعات صندوق النقد الدولي، بدعم من قطاعات واعدة، مثل السياحة، الاقتصاد الرقمي، الطاقة المتجددة والتعدين.
وأشار إلى أن استقرار السياسة النقدية وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية لأكثر من 21 مليار دولار، إلى جانب رفع التصنيف الائتماني وحصول الأردن على 3.4 مليار دولار كمساعدات خارجية، كلها أمور تعكس مرونة الاقتصاد وثقة المؤسسات الدولية به.
لكن مخامرة أكد أن التحديات ما تزال قائمة، أبرزها ارتفاع البطالة (22.3 %)، الدين العام (119 % من الناتج المحلي الإجمالي)، وضعف الإنتاجية، إضافة إلى تعقيدات بيئة الأعمال واعتماد الاقتصاد على المساعدات الخارجية.
وشدد مخامرة على أن تحقيق النمو الشامل يتطلب تعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي، تبسيط الإجراءات وضمان استقرار التشريعات، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تنمية رأس المال البشري وتعزيز التكامل الإقليمي، مؤكدا أن النمو الشامل هو الرهان الأساسي للاستقرار والتنمية الاقتصادية في الأردن.
الاقتصاد الوطني يزخر بمقومات النمو الشامل
إلى ذلك، بين مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي، أن الاقتصاد الوطني يمتلك فرصة حقيقية لتحقيق معدلات نمو أعلى من المحققة حاليا، لما يتمتع به الأردن من استقرار سياسي واقتصادي في ظل الظروف المحيطة في الإقليم، مما يجعله واحة أمن لجذب الاستثمارات الخارجية بشكل أكبر، إضافة لما يرتبط به الأردن من اتفاقيات تجارة وتبادل حر مع عدد من التكتلات الاقتصادية العالمية من خلال الاتفاقيات الدولية التي تمكنت الدبلوماسية الاقتصادية من تحقيقها خلال المرحلة الماضية.
وأشار حجازي إلى توفر مزايا أخرى للاقتصاد الأردني، أيضا، تتيح له الوصول إلى النمو الشامل، ومنها مخزون متطور من الموارد البشرية ذو مهارة عالية، إضافة إلى توفر إمكانيات هائلة في أهم مورد والمتمثلة في الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية والرياح، وهي مزايا مضمنة في رؤية التحديث الاقتصادي إلى جانب مبادرات ومشاريع عديدة أخرى لرؤية، في حال تنفيذها بالصورة المأمولة، فإن الاقتصاد الوطني سيكون في الأعوام المقبلة على موعد مع النمو الشامل.
ويرى حجازي أنه يمكن بلوغ النمو الشامل وتحقيق معدلات النمو المستهدفة في الرؤية، من خلال الاستثمار في البينة التحتية لمشاريع النقل والطاقة التي تسير بشكل مبشر خلال الفترة المقبلة المتمثلة بمشروع الناقل الوطني وخطوط سكك الحديد، إضافة إلى العمل على تحويل الأردن إلى مركز لوجيستي إقليمي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، مدعومة باتفاقيات تجارة حرة لزيادة الصادرات إلى إفريقيا وآسيا في عدد من القطاعات المهمة، منها المنتجات الدوائية وتكنولوجيا المعلومات والمنتجات الزراعية، إلى جانب التركيز، خلال المرحلة المقبلة، على جذب الاستثمارات ودعم القائم منها في القطاعات ذات الميزة التنافسية العالية، مثل صناعة التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، والسياحة العلاجية والتعليمية، من خلال شراكات دولية مع دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي.