أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    24-Oct-2025

على مشارف تقرير ديوان المحاسبة.. ما مصير التوصيات؟

 الغد

 مع اقتراب موعد صدور التقرير السنوي الجديد لديوان المحاسبة، تتجدد التساؤلات حول مصير ملاحظاته وتوصياته، ومدى جدية التعامل الرسمي معها.
فبينما يواصل الديوان أداء دوره في رصد التجاوزات المالية والإدارية داخل مؤسسات الدولة، تبقى فعالية هذه الجهود رهينة بآليات التنفيذ، التي لا تزال محل ضعف الثقة لدى الرأي العام.
ويفترض، وفق الإطار الرقابي العام، أن يتم عرض تقرير ديوان المحاسبة على مجلس الأمة بغرفتيه، بوصفه الجهة الدستورية المخولة بمساءلة السلطة التنفيذية، ويتطلب هذا العرض أن يتبعه نقاش جدي، يفضي إلى إجراءات تصحيحية حقيقية، تتجاوز الطابع البروتوكولي إلى محاسبة فعلية، وفق خبراء في القانون الإداري.
ويؤكد المتابعون للشأن الرقابي، في تصريحات لـ"الغد"، أهمية عدم الاكتفاء فقط في الاستمرار برصد المخالفات، بل تحويل ملاحظات ديوان المحاسبة إلى التزامات تنفيذية واضحة تترافق مع شفافية في الإعلان عما تم تصحيحه، ومن تمت مساءلتهم، وما الإجراءات المتخذة لتفادي التكرار.
ويشيرون إلى أنه بدون هذه المنهجية، سيبقى التقرير السنوي للديوان وثيقة أرشيفية أكثر منه أداة إصلاح فعلي.
ويرون أنه رغم تأكيدات ديوان المحاسبة في الأعوام الأخيرة، باهتمامه المتزايد بما يرد في التقرير، وإعلانه تشكيل لجان مختصة داخل البرلمان لمتابعة تنفيذ التوصيات، إلا أن الواقع الميداني أحيانا، لا يعكس دائما هذا الاهتمام، إذ تتكرر الكثير من الملاحظات ذاتها في تقارير متعاقبة، ما يثير تساؤلات مشروعة حول نجاعة المعالجة وجدّية المتابعة.
فالهوة بين التوصيات والتنفيذ أحيانا، تظهر أن بعض المؤسسات تتعامل مع تقارير ديوان المحاسبة كوثائق ترفع للعرض الإعلامي أو السياسي، لا كمسارات إصلاح ملزمة.
ويعني ذلك أن الأثر الرقابي للتقرير يضعف حين تغيب الإرادة الصارمة للتصويب والمحاسبة، وحين تتحول المتابعة إلى إجراء روتيني بلا نتائج ملموسة.
ويسلّط الخبراء الضوء على التعديلات الدستورية الأخيرة في الأردن، والتي منحت ديوان المحاسبة دورا رقابيا أكثر فاعلية من خلال إلزام مجلسي النواب والأعيان بمناقشة تقاريره خلال فترة زمنية محددة.
ويبيّنون أن هذا التعديل يعكس توجها واضحا لتعزيز الرقابة البرلمانية على الأداء المالي والإداري في مؤسسات الدولة، من خلال فرض التزامات زمنية واضحة تضمن عدم تهميش مخرجات الديوان.
وفي السياق ذاته، يشيرون إلى أن السلطة التنفيذية اعتادت تشكيل لجان خاصة للتعامل مع ما يرد في هذه التقارير، سواء عبر تسويات مالية أو إحالة المخالفات الجسيمة إلى الجهات القضائية.
ومع ذلك، يطرح المختصون تساؤلات حول فعالية المتابعة الحكومية وشفافية الإجراءات، في ظل غياب المعلومات حول نتائج القضايا المحالة واسترداد الأموال العامة، داعين في هذا الإطار إلى ضرورة توسيع نطاق الالتزام الزمني ليشمل مجلس الوزراء، بما يعزز من جدية التعاطي مع تقارير الديوان ويحولها من وثائق رقابية إلى أدوات للمساءلة الفعلية.
وفي هذا السياق، يؤكد وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر المدادحة، أن الأصل في تقرير ديوان المحاسبة السنوي أن يقدَّم إلى مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب، نظرا إلى أن المجلس يعتبر الجهة الرقابية العليا على أداء وتصرفات السلطة التنفيذية، ممثلة بالحكومة.
ويشير مدادحة إلى أن المجلس، عند تسلمه التقرير، يقوم بدراسة كافة المخالفات المالية والتصرفات غير القانونية التي يتضمنها، ويباشر مساءلة الحكومة ومؤسساتها بشأنها، إلى جانب اتخاذ ما يراه من قرارات وإجراءات ضرورية لتصويب هذه المخالفات والتجاوزات، ومتابعة تنفيذ تلك الإجراءات بشكل مباشر ومستمر.
ويقول المدادحة إن الأعوام الأخيرة شهدت تحولا في التعامل مع التقرير، إذ يعتقد أن جميع المخالفات الواردة فيه باتت تخضع للمتابعة والمعالجة، وأن معظمها يتم تصويبه فعليا. كما يشير إلى وجود لجنة مختصة في مجلس النواب تضطلع بدورها في متابعة ما يرد في التقرير، وهو ما يساهم في تعزيز الرقابة البرلمانية على الأداء الحكومي.
ويوضح مدادحة أن الحكومة، من جانبها، أصبحت تولي أهمية كبيرة لتقرير ديوان المحاسبة، وتطلب من كافة مؤسساتها التعامل الجاد مع ما يرد فيه، والعمل على معالجة المخالفات والملاحظات بشكل مؤسسي ومنهجي، بما يعكس التزاما رسميا متزايدا اتجاه ما يصدر عن الديوان من ملاحظات وتوصيات.
أثر محدود
من جانبه، يؤكد أستاذ القانون الإداري في الجامعة الأردنية د.محمد المعاقبة، أنه مع اقتراب صدور التقرير السنوي الجديد لديوان المحاسبة، يثور تساؤل مهم حول مصير الملاحظات والتوصيات التي يتضمنها، خصوصا في الوزارات الكبرى التي تتكرر فيها التجاوزات المالية والإدارية.
ويشير المعاقبة إلى أنه، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها ديوان المحاسبة في رصد المخالفات وحماية المال العام، إلا أن أثر تقاريره يبقى محدودا ما لم تترجم توصياته إلى إجراءات تصحيحية فعلية، تتابع وتعلن بشفافية.
ويضيف إن الكثير من الملاحظات تتكرر عاما بعد عام دون محاسبة واضحة، الأمر الذي يعكس ضعف آليات التنفيذ والمتابعة داخل المؤسسات الرسمية.
ويشدد أستاذ القانون الإداري على أن المطلوب اليوم هو أن تعامل توصيات ديوان المحاسبة كوثائق ملزمة للإصلاح الإداري والمالي، لا كمجرد تقارير ترفع للعرض ثم تطوى مع مرور الوقت، مؤكدا أن فاعلية عمل الديوان لا تتوقف عند حد رصد المخالفات، بل يجب أن تمتد لتشمل إلزام الجهات المعنية باتخاذ خطوات تصحيحية ملموسة، تعزز من الحوكمة والمساءلة داخل مؤسسات الدولة.
توسيع نطاق الحماية للديوان
بدوره، يؤكد الأستاذ في القانون الدستوري د. ليث نصراوين، أن الدستور الأردني نظم الأحكام المتعلقة بإنشاء ديوان المحاسبة والتقارير التي تصدر عنه، مضيفا إن التعديلات الدستورية للعام 2022، وسعت نطاق الحماية المقررة لهذا الديوان ومخرجاته السنوية.
ويشير نصراوين إلى دور هذه التعديلات في إضافة حكم جديد يلزم مجلسي الأعيان والنواب بمناقشة تقرير ديوان المحاسبة خلال الدورة التي يقدَّم فيها، أو خلال الدورة العادية التي تليها على أبعد تقدير.
ويوضح أن المشرّع الدستوري بهذا النص، فرض التزاما واضحا على مجلسي الأعيان والنواب بتحديد فترة زمنية معينة لمناقشة تقرير ديوان المحاسبة ومخرجاته، سواء خلال الدورة البرلمانية التي يقدَّم فيها أو التي تليها مباشرة، ما يعكس توجها لتعزيز الرقابة البرلمانية على الأداء المالي والإداري لمؤسسات الدولة.
ويرى نصراوين أن هناك التزاما دستوريا على مجلسي الأعيان والنواب بالتعاطي الجاد مع تقرير ديوان المحاسبة ضمن الإطار الزمني المحدد، واتخاذ الإجراءات اللازمة بناء على ما يرد فيه، مؤكدا أن هذا الالتزام جزء أصيل من الدور الرقابي للسلطة التشريعية في مواجهة أوجه الفساد أو التجاوز في استخدام المال العام.
أما على مستوى السلطة التنفيذية، فيبين نصراوين أن الحكومات درجت على تشكيل لجان خاصة لمتابعة ما يرد في تقارير ديوان المحاسبة، وغالبا ما تكون مهمة هذه اللجان اتخاذ الإجراءات اللازمة، إما من خلال تسويات مع الجهات المخالفة لاسترداد الأموال العامة، أو في حال وجود مخالفات جسيمة، عبر إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة.
مصير غامض للقضايا
ويلفت نصراوين إلى أن التساؤل لا زال قائما حول آلية متابعة هذه التقارير وما المخرجات الفعلية التي تنتج عن هذه المتابعة، خاصة في ظل وجود تقارير صحفية تتحدث عن مخالفات جرى تحويلها إلى الجهات القضائية، إلا أن مصير هذه القضايا يظل غير واضح، سواء من حيث استرداد الأموال المشار إليها في التقرير أو من حيث اتخاذ الإجراءات الجزائية بحق المخالفين.
ويخلص نصراوين إلى ضرورة أن تكون نقطة الانطلاق في التعامل مع تقرير ديوان المحاسبة، من النص الدستوري، وتحديدا الفقرة الثانية من المادة 119، التي حددت إطارا زمنيا واضحا لمجلسي الأعيان والنواب لمناقشة التقرير.
ويرى أنه طالما أن الدستور قد ألزم السلطة التشريعية بفترة زمنية محددة، فإن من المنطقي أن يمتد هذا الإطار الزمني أيضا ليشمل مجلس الوزراء، بحيث يكون هناك التزام حكومي مماثل بالتعامل مع المخالفات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة ضمن مدة زمنية واضحة ومعلنة.