الغد
تعكس الأرقام الواردة في "ملخص العمليات المالية للحكومة المركزية للفترة 2023 - 2028" ملامح برنامج مالي أكثر انضباطًا مما اعتدنا رؤيته في موازنات سابقة.
فهذه المرة، الأرقام تتحدث بلغة مختلفة: لغة الأهداف القابلة للقياس، والتحولات التدريجية المدروسة، وواقعية التقديرات، فمن حيث الإيرادات، تشير الأرقام إلى نمو بنسبة 34.3 % خلال ست سنوات، إذ بلغ إجمالي الإيرادات العامة والمنح في عام 2023 نحو 9,150 مليون دينار، ويتوقع أن ترتفع إلى 12,292 مليون دينار في عام 2028، أي بزيادة قدرها 3,142 مليون دينار، بمتوسط زيادة سنوية يبلغ نحو 523.7 مليون دينار.
وهذا النمو لا يُعزى إلى منح خارجية أو دفعات استثنائية، بل إلى الإيرادات المحلية، التي يُنتظر أن ترتفع من 8,439 مليون دينار في 2023 إلى 11,613 مليون دينار في 2028، ما يمثل 94.4 % من إجمالي الزيادة، هذا بحد ذاته تحول في نهج المالي، حيث يعكس توجهًا نحو الاعتماد على الذات، وتوسيع القاعدة الضريبية داخليًا معتمدا على نظام الفوترة الوطني وإدخال الذكاء الاصطناعي وغيرها من الأدوات.
الإيرادات الضريبية سترتفع من 6,190 مليون دينار في 2023 إلى 8,772 مليون دينار في 2028، محققة نموًا نسبته 41.7 % خلال ست سنوات، بزيادة مقدارها 2,582 مليون دينار، هذه الزيادة ليست نتيجة رفع معدلات ضريبية فقط، بل نتيجة تحسين التحصيل، وضبط التهرب والتجنب الضريبي، وتوسيع الشمول.
فعلى سبيل المثال، ضرائب الدخل والأرباح سترتفع من 1,763 مليون دينار إلى 2,251 مليون دينار، أي بزيادة تبلغ 488 مليون دينار، أما ضريبة المبيعات، فترتفع من 4,064 مليون دينار إلى 5,771 مليون دينار، بزيادة قدرها 1,707 مليون دينار، وهي تمثل أكثر من 66 % من مجمل الزيادة الضريبية.
في المقابل، المنح الخارجية تتراجع من 712 مليون دينار في عام 2023 إلى 678 مليون دينار في 2028، أي بانخفاض قدره 34 مليون دينار أو ما نسبته 4.8 %، هذا التراجع قد يعكس تحولًا مهمًا في فلسفة التمويل، إذ تسعى الحكومة إلى تقليص الاعتماد على المساعدات تدريجيًا، والاعتماد على مصادر داخلية أكثر استدامة.
على جانب النفقات، من المتوقع ان يرتفع إجمالي الإنفاق العام من 11,107 مليون دينار في 2023 إلى 14,041 مليون دينار في 2028، بزيادة قدرها 2,934 مليون دينار، أي بنسبة نمو تبلغ
26.4 %، حيث تستأثر النفقات الجارية بالحصة الكبرى، حيث ترتفع رواتب وأجور الموظفين من 1,954 مليون دينار إلى 2,250 مليون دينار، بزيادة مقدارها 296 مليون دينار، أي بنسبة 15.1 %.
في المقابل، يظهر الإنفاق الرأسمالي استقرارًا نسبيًا، حيث يرتفع من 1.37 مليار دينار إلى 1.6 مليار دينار، أي بزيادة قدرها 16.2 %، وهذا النمو المحدود في الإنفاق الرأسمالي يشير إلى سياسة تثبيت لا توسع، ما قد يُنتقد من حيث محدودية الدفع نحو مشاريع تنموية جديدة، رغم ضرورته في سياق ضبط العجز.
أما العجز الكلي قبل المنح، فينخفض من 1,957 مليون دينار في عام 2023 إلى 1,749 مليون دينار في عام 2028، أي بتراجع قدره 208 مليون دينار، أو ما نسبته 10.6 %.
هذه المؤشرات مجتمعة تؤكد أن الحكومة تتحرك ضمن خطة إصلاح مالي جادة، ترتكز إلى معايير واضحة وتخضع لإشراف صندوق النقد الدولي، وتُظهر تفكيرًا تدريجيًا يتجنب الصدمات المالية والاجتماعية، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي ومتطلبات الإصلاح.