أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Nov-2025

الذكاء الاصطناعي بين تهديد الوظائف وصناعة المستقبل*لما جمال العبسه

 الدستور

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد نقلة تقنية، بل أصبح قوة اقتصادية ذات مردود مالي كبير على الدول، الا أنه بات يهدد بنية سوق العمل العالمي، وهذا بحسب تقارير دولية تابعت مدى تعاظم تطوره والاعتماد عليه وقدرته على إحداث فرق إيجابي وفرص حقيقية لتنمية الاقتصادات، لكن الحديث عن الفرص لا يجب أن يحجب حقيقة أن ملايين الوظائف التقليدية مهددة بالزوال، كما يجب الاعتراف بأن الفجوة الاجتماعية تتسع بين من يمتلكون أدوات العصر الرقمي ومن يُتركون خلف الركب، فالأتمتة لا تنتظر أحدا، لكن التشريعات بطيئة ليس فقط في الدول النامية بل في معظم دول العالم، وهو ما يضع العامل في مواجهة مباشرة مع مستقبل غامض قد يطيح باستقرارهم.
 
هذا الواقع يفرض سؤالا جوهريا حول المسؤولية، من يتحمل كلفة هذا التحول؟ من الواضح أن الأفراد ليسوا وحدهم في دائرة الخطر، بل الحكومات التي تتأخر في صياغة سياسات حماية اجتماعية، والشركات الكبرى التي تستفيد من هذا التأخير، فهي تجني أرباحا هائلة من الذكاء الاصطناعي بينما تترك المجتمعات تتحمل كلفة البطالة والتهميش، وهو ما حذرت منه مؤسسات دولية معنية بالشأن الاجتماعي والاقتصادي والتقني.
 
ويزيد الأمر خطورة حين يتبنى البعض فكرة أن السوق وحده يجب أن يحدد مسار التحول، وكأن الخسائر البشرية مجرد «أضرار جانبية»، وهذا المنطق لا يمكن أن يصمد أمام أي معيار أخلاقي أو اجتماعي، لأنه يختزل الإنسان إلى رقم في معادلة الربح والخسارة، ومن هنا يتضح أن القضية ليست اقتصادية فحسب، بل أخلاقية أيضا.
 
والأخطر أن الذكاء الاصطناعي قد يتحول إلى أداة هيمنة إذا لم يُضبط، إذ يمكن للشركات العملاقة والدول المتقدمة أن تحتكر المعرفة والبيانات، فتفرض سيطرة غير مسبوقة على الاقتصادات الأضعف وتعمّق التبعية، وهكذا يصبح الخطر مزدوجا، فهو لا يتعلق فقط بفقدان الوظائف، بل أيضا بفقدان القدرة على اتخاذ القرار المستقل.
 
ومع ذلك، فإن الصورة ليست قاتمة، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فرصة لإعادة تعريف معنى العمل ذاته، فإذا ما استثمرت الحكومات في التعليم والتدريب، وإذا ما التزمت الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية عبر خلق وظائف جديدة ودعم الابتكار المحلي، عندها يمكن أن يصبح  هذا التحول مسار دفع نحو عدالة اقتصادية وازدهار مشترك، لكن ذلك يتطلب إرادة، لا شعارات مؤتمرات، ويتطلب من الشركات أن ترى في الإنسان قيمة لا تقل عن قيمة الأرباح.
 
في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس عدوا للوظائف بقدر ما هو اختبار لضمير المؤسسات والدول، إما أن يُدار بوعي ومسؤولية فيصبح أداة للنهضة، أو يُترك بلا ضوابط فيتحول إلى آلة تفاقم البطالة وتعمّق الفوارق الاجتماعية وتكرّس الهيمنة، فالخيار واضح، لكن الإرادة هي من سيحسم النتيجة.