سان فرانسيسكو: «الشرق الأوسط»
في خطوة مفاجئة قد تعيد رسم ملامح صناعة أشباه الموصلات، أعلنت شركة «إنفيديا» الأميركية، يوم الخميس، استثماراً ضخماً بقيمة 5 مليارات دولار في منافستها التقليدية «إنتل»، لتصبح من أكبر المساهمين فيها، في وقت تسعى فيه الأخيرة إلى الخروج من سنوات من التراجع ومحاولات التحول غير المثمرة. وتتضمن الصفقة أيضاً اتفاقاً لتطوير معالجات مشتركة لأجهزة الكمبيوتر ومراكز البيانات، ما يُشكّل تهديداً مباشراً لكل من «تي إس إم سي» التايوانية، التي تُصنّع معالجات «إنفيديا» الرئيسية حالياً، و«إيه إم دي» الأميركية، المنافسة التقليدية لـ«إنتل» في سوق الخوادم ومعالجات الذكاء الاصطناعي.
وأحدثت الصفقة فور إعلانها صدى واسعاً في الأسواق، إذ ارتفعت أسهم «إنتل» بأكثر من 32 في المائة في تداولات ما قبل الافتتاح، بينما صعد سهم «إنفيديا» بأكثر من 3 في المائة. وفي المقابل، تراجعت أسهم «إيه إم دي» بنسبة نحو 4 في المائة، بينما خسرت أسهم «تي إس إم سي» المدرجة في الولايات المتحدة قرابة 2 في المائة.
تفاصيل الصفقة
وقالت «إنفيديا» إنها ستدفع 23.28 دولار للسهم الواحد من أسهم «إنتل» العادية، وهو أقل من سعر إغلاق يوم الأربعاء البالغ 24.90 دولار، لكنه أعلى من السعر الذي دفعته الحكومة الأميركية الشهر الماضي (20.47 دولار) مقابل استحواذها على حصة استثنائية بلغت 10 في المائة من «إنتل». وبإتمام الصفقة، يُتوقع أن تمتلك «إنفيديا» نحو 4 في المائة أو أكثر من أسهم «إنتل». وبالنسبة لـ«إنتل»، يمثل دخول «إنفيديا» على خط الملكية دعماً حيوياً بعد سنوات من التراجع. فالشركة، التي كانت تُعرف يوماً بأنها رائدة صناعة الرقائق العالمية، عانت من تأخر في تكنولوجيا التصنيع وتراجع حصتها السوقية لصالح منافسين مثل «تي إس إم سي» و«إيه إم دي».
وفي مارس (آذار) الماضي، عيّنت «إنتل» الرئيس التنفيذي الجديد ليب - بو تان، الذي وعد بجعل الشركة أكثر مرونة في استثماراتها، مع بناء طاقة إنتاجية جديدة فقط عندما يكون هناك طلب كافٍ. والصفقة لا تشمل نشاط التصنيع التعاقدي لـ«إنتل» الذي كان يُعوّل على اجتذاب عملاء كبار مثل «إنفيديا» أو «أبل» أو «كوالكوم»... لكن وجود «إنفيديا» بصفتها مستثمراً وشريكاً تقنياً يمنح «إنتل» فرصة لتأجيل الضغط الزائد لإنقاذ وحدتها التصنيعية. وتنص الاتفاقية على أن تقوم «إنتل» بتصميم معالجات مركزية مخصصة لمراكز البيانات، في حين تدمج «إنفيديا» هذه المعالجات مع شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
ويتمثل الابتكار الأبرز في «تقنية الروابط السريعة» المملوكة لـ«إنفيديا»، التي ستسمح للمعالجات من الشركتين بالتواصل بسرعات أعلى من أي وقت مضى، وهو عامل حاسم في سوق الذكاء الاصطناعي، حيث تُربط مئات أو آلاف الرقائق للعمل كأنها وحدة واحدة لمعالجة البيانات الضخمة. وحتى الآن، كانت خوادم «إنفيديا» الأكثر مبيعاً المزودة بهذه التقنية متاحة فقط باستخدام رقائق الشركة نفسها... لكن مع دخول «إنتل» على الخط، ستحصل على حصة مباشرة من كل خادم يُباع، ما يعزز قدرتها التنافسية أمام «إيه إم دي»، و«برودكوم» التي تقدم بدورها تقنيات اتصال بين الشرائح.
وفي سوق المستهلكين، ستزود «إنفيديا» شركة «إنتل» بشرائح رسومات مخصصة تدمجها الأخيرة مع معالجاتها المركزية لأجهزة الكمبيوتر، ما يمنحها أفضلية أمام منافسين مثل «إيه إم دي».
إعادة توازن في سوق الرقائق
وتأتي هذه الصفقة بعد أسابيع قليلة من إعلان «إنتل» عن استثمارات بقيمة 2 مليار دولار من «سوفت بنك»، إضافة إلى 5.7 مليار دولار حصلت عليها من الحكومة الأميركية لدعم جهودها في تطوير عملية التصنيع من الجيل التالي. ويرى محللون أن هذا التمويل الضخم، المدعوم بشراكة مع «إنفيديا»، قد يمنح «إنتل» فرصة للعودة إلى المنافسة في سوق بالغة الأهمية، حيث يُتوقع أن تتضاعف قيمة صناعة الذكاء الاصطناعي عالمياً خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال الرئيس التنفيذي لـ«إنفيديا» جنسن هوانغ: «يجمع هذا التعاون التاريخي بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة المسرّعة من (إنفيديا) ووحدات المعالجة المركزية من (إنتل)، ونظام x86 البيئي الشامل... معاً، سنُوسّع أنظمتنا البيئية ونضع الأساس لعصر الحوسبة المقبل».
أما مسؤولو الشركتين فأكدوا أن التعاون لن يتضمن بنود ترخيص متبادلة، بل هو «اتفاق تجاري» لتبادل الرقائق وإنتاج أجيال متعددة من المنتجات المشتركة. ولم يُعلن بعد عن موعد طرح أولى هذه المنتجات. وتُعَدّ هذه الخطوة أحدث مثال على التحولات السريعة في قطاع أشباه الموصلات، حيث تتحالف الشركات المنافسة لمواجهة التحديات الجيوسياسية وسلاسل التوريد المتوترة. وفي حين يبقى مستقبل «إنتل» رهيناً بقدرتها على اللحاق بركب تصنيع الرقائق المتقدمة، فإن دعم «إنفيديا» يمنحها جرعة ثقة جديدة، فيما تواصل «تي إس إم سي» و«إيه إم دي» مراقبة المشهد بحذر وسط خشية من خسارة مواقع استراتيجية في واحدة من أكثر الصناعات تنافسية في العالم.