الغد-محمد جميل عزم
يتوقع أن يقبل العالم على تغيرات عديدة في مجالات السياسة والاقتصاد بعد أن تم إعادة انتخاب الرئيس ترمب لولاية ثانية، ولقد تعرضت العديد من الدراسات والمقالات لأثر السياسات التي سيتبعها الرئيس ترامب على الاقتصاد العالمي، ومن أهم هذه الدراسات تلك الصادرة عن Institute of International Finance، وتالياً أهم هذه الآثار المتوقعة:
- في مجال السياسة المالية؛ حيث من المتوقع إقرار تخفيضات ضريبية مع زيادة الإنفاق، وما قد ينتج ذلك من مخاطر على الأمد الطويل، حيث إن ارتفاع مستوى المديونية يمكن أن يحدث بسبب ازدياد اقتراض الحكومة الأميركية لتمويل التخفيضات الضريبية والإنفاق على البنية التحتية، وهو ما يؤدي الى ارتفاع العائد طويل الأجل على سندات الخزينة، وما يعني ذلك أن المستثمرين يرون احتمالا قريبا للنمو، لكنهم قلقون من ضغوطات تضخمية ومشاكل على استدامة متانة المالية العامة، وبالمحصلة، فإنه من المتوقع وجود تذبذب على المدى الطويل وما يشكل ذلك من تحديات لواضعي السياسات وكذلك المستثمرين.
- في مجال التجارة الدولية؛ حيث من المتوقع أن يفرض تعرفة جمركية جديدة ويستغلها في مفاوضاته لغاية الحصول على شروط تفضيلية، وهو ما قد يؤدي الى اضطرابات في العلاقات مع الصين، الاتحاد الأوروبي، كندا والمكسيك. ويسعى في الوقت ذاته لتحفيز الاعتماد على الموارد المحلية بدلا من سلاسل التوريد الخارجية. ومن المتوقع أن يراجع الاتفاقيات الجماعية لصالح الاتفاقيات الثنائية وهو ما قد يخدم قطاعات محددة لدى الاقتصادات النامية.
- في مجال الهجرة؛ حيث من المتوقع أن تخضع الهجرة لمزيد من المحددات من حيث تخفيض حجم الهجرة المسموح به، ومن المتوقع أن تتأثر قطاعات مختلفة بتوفر العمالة، مثل قطاعات الزراعة، التعمير والصحة، وهي قطاعات تعتمد على العمالة المهاجرة، الأمر الذي من المتوقع معه أن يؤدي الى ارتفاع الأجور ويزيد من الضغوطات التضخمية على هذه القطاعات. كما أن ارتفاع الرواتب والأجور سيؤدي الى ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، وبالمقابل سيؤدي أيضاً لزيادة التكاليف لدى هذه القطاعات وبالمحصلة ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يرتب تحديات جديدة على الاحتياطي الفيدرالي في الوصول الى أهدافه بالتوازن بين تحقيق النمو ومستوى التضخم المستهدف والمأمول. كما أن حصول إجلاء لعدد كبير من المهاجرين غير القانونيين قد يحدث عدم استقرار اجتماعيا واقتصاديا ويؤثر على مستوى العرض للعمالة.
- في مجال التوجهات الرقابية؛ حيث من المتوقع تخفيض مستوى المتطلبات الرقابية في العديد من المجالات، أهمها مجالا الطاقة والقطاع المالي لتشجيع المستثمر المحلي، ففي مجال الطاقة، من المتوقع أن يدعم إنتاج النفط الأحفوري من خلال تخفيض كلفة المتطلبات الرقابية وتسريع الموافقات على المشاريع الخاصة بها وبما يسهم باستقلالية الدولة في مجال الطاقة، كل ذلك قد يؤثر على حصول تذبذب بأسعار الطاقة عالمياً. أما في القطاع المالي، فمن المتوقع تخفيض المتطلبات الرقابة financial deregulation للتشجيع على مزيد من الإقراض وسهولة الوصول الى رأس المال، وخصوصاً المؤسسات المتوسطة والصغيرة. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات ستعني مزيدا من التوسع في الأعمال، إلا أنها من المتوقع أن تزيد من مستوى المخاطر التي قد تحيط بالمؤسسات المالية من حيث زيادة الرفع المالي لديها، وهو ما يعني أيضاً احتمال حصول انخفاض مستوى المتانة المالية والمرونة التشغيلية لديها، وبالتالي الوصول لحالة من عدم الاستقرار المالي في حال حدوث تراجع اقتصادي.
- بالمحصلة، يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه أمام تحديات كبيرة لتحقيق أهدافه بزيادة التوظيف والإبقاء على استقرار الأسعار؛ حيث إن السياسات المالية المتوقعة وزيادة التعرفة الجمركية وسياسات الهجرة للعمالة غير القانونية ستؤدي الى ضغوطات تضخمية تحد من قدرة الاحتياطي الفيدرالي بالسيطرة على هذه الضغوطات. إن السياسة التوسعية لإدارة ترامب وارتفاع التضخم للأسباب المذكورة قد يجعلان الاحتياطي الفيدرالي يقوم باتخاذ مواقف أكثر تشدداً ويراجع سياساته التيسيرية بوقت أسرع من المتوقع للسيطرة على هذه التوقعات بالتضخم، ومن الجدير بالذكر أنه من الواضح أن المستثمرين قد بدأوا بتوقع هذه السياسات ونتائجها نظراً لانعكاس ذلك من خلال الارتفاع الحاصل على العوائد طويلة الأجل.
- فيما يخص الدول النامية المصدرة للنفط، فإن السياسات التي يتبعها ترامب ستؤدي الى نتائج مختلطة؛ حيث من المتوقع زيادة الإنتاج الأميركي من النفط الأحفوري، وبالتالي سيشكل ضغطا على أسعار النفط، إلا أن دعمه لهذه الصناعة بشكل عام سيرفع الطلب على النفط وبما يعطي منافع للمصدرين، على الرغم من التذبذب الذي قد يحصل لأسعار النفط في الأسواق.
- زيادة قوة الدولار الأميركي ستضغط على الأسواق النامية، وتحديدا تلك المعتمدة على الديون بعملة الدولار، وبالمحصلة، فإن البلدان النامية التي تتميز بمتانة وضعها المالي وتستطيع أن تقيم علاقات تجارية متنوعة ستجد فرصا للعلاقات التجارية الثنائية ورفع التدفقات الاستثمارية ومجالات واسعة للتصدير، وعلى العكس من ذلك، فإن البلدان النامية المعتمدة في مجال التجارة على اقتصاد الولايات المتحدة، وكذلك الدول ذات المستوى المرتفع من المديونية الخارجية التي تتأثر سلبا بارتفاع أو عدم حصول الانخفاض المأمول بأسعار الفائدة، يمكن أن تواجه تحديات في التعامل مع دولار قوي وكذلك السياسات التجارية الجديدة. إن الأثر الكلي لأجندة ترامب على الدول النامية سيكون تفاعلاً معقداً للضغوطات المالية وكذلك الاحتمالات المتاحة للنمو، وذلك وفقاً لقدرة البلد على التأقلم مع إعادة تشكيل المشهد العالمي.