الغد-رهام زيدان
أكد خبراء أهمية صياغة إستراتيجية مستقلة وطويلة الأمد لقطاع الكهرباء تعنى حصرا بالتخطيط والإدارة الفنية والاقتصادية لهذا القطاع الحيوي، بعيدا عن إستراتيجية قطاع الطاقة المعمول فيها حاليا.
ويرى الخبراء أن وجود مثل هذه الإستراتيجية يعد شرطا أساسيا لضمان استدامة إمدادات الطاقة الكهربائية، وتحقيق الكفاءة التشغيلية وجذب الاستثمارات بما يجعل الكهرباء رافعة للتنمية لا عبئا على المالية العامة.
وأوضح الخبراء أن إنشاء إستراتيجية مستقلة من شأنه أن ينهي حالة تشتت الرؤية وخلط الأولويات، وخصوصا أن ملفات الطاقة التقليدية تشمل المشتقات البترولية والتعدين والصناعات الاستخراجية وهي مجالات تختلف جذريا عن طبيعة ملف الكهرباء.
يذكر أن وزارة الطاقة والثروة المعدنية تستعد لإطلاق النسخة المحدثة من إستراتيجيتها للقطاع، لتكون بديلا عن تلك التي أطلقت عام 2020 وتغطي الفترة (2020–2030) المعمول بها حاليا، وسيمدّ عمر الإستراتيجية الجديدة لتشمل الأعوام (2025–2035).
وأشار هؤلاء إلى أن وجود إستراتيجية مستقلة وطويلة الأمد لقطاع الكهرباء لم يعد خيارا، بل أصبح مطلبا حتميا لمواكبة التطورات العالمية وضمان أمن الطاقة في الأردن.
وبين هؤلاء أن هذه الإستراتيجية هي الإطار الذي يربط بين الإصلاح المؤسسي، والتحول التكنولوجي، والاستثمار المستدام، ويجعل من الكهرباء محورا رئيسا في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي واستدامة النمو الوطني.
وقال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية م.عبدالفتاح الدرادكة: "كثيرا من الدول المتقدمة أدركت هذه الخصوصية مبكرا، فأنشأت وزارات مستقلة للكهرباء وأخرى للبترول والتعدين، إدراكا بأن الفصل بينهما ليس ترفا بيروقراطيا بل ضرورة إستراتيجية تتيح لكل قطاع أن يضع خططه وفق خصوصيته".
وأضف، " قطاع الكهرباء يتمتع بخصوصية فنية وتشغيلية تفرض ضرورة أن تكون له إستراتيجية مستقلة ومتمايزة عن إستراتيجية الطاقة العامة".
وأوضح أن دمج قضايا الكهرباء مع ملفات الطاقة الأخرى تحت مظلة واحدة يؤدي غالبا إلى تشتت في الرؤية وخلط في الأولويات، مشيرا إلى أن ملفات الطاقة التقليدية تشمل المشتقات البترولية والتعدين والصناعات الاستخراجية، وهي مجالات تختلف جذريا عن الكهرباء من حيث الأهداف وآليات العمل.
وأضاف، "الكهرباء تحتاج إلى خطط طويلة الأمد تشمل توسعة الشبكات، وإدخال التكنولوجيا الحديثة، وتحسين كفاءة التوليد والتوزيع، بينما تتركز قطاعات الطاقة الأخرى على التنقيب والتكرير والاستخراج، وهي أنشطة تختلف تماما في طبيعتها".
وأشار إلى أن وجود إستراتيجية مستقلة للكهرباء من شأنه أن يتيح رؤية واضحة للتغيرات التكنولوجية والاقتصادية، ويضمن استدامة الإمدادات بأعلى كفاءة وأقل كلفة، كما يسهل التخطيط للاستثمارات المستقبلية في الطاقة المتجددة والتحول الرقمي للشبكات.
وأكد أن الفصل بين الإستراتيجيتين لا يعني الانفصال عن منظومة الطاقة الوطنية، بل تحقيق التكامل من خلال وضوح الأدوار وتحديد الأولويات، بما يعزز أمن الطاقة الوطني ويضمن توازن المنظومة ككل.
وأكد وزير تطوير القطاع العام الأسبق د.ماهر مدادحة أن وجود إستراتيجية واضحة ومنفصلة عن إستراتيجة قطاع الطاقة بات ضرورة وطنية، لتحديد مستويات الطلب المستقبلية ومصادر التوليد المطلوبة، وأثرها على التعرفة وآليات إدارة القطاع بشكل عام.
وأوضح أن أي إستراتيجية فاعلة يجب أن تكون طويلة الأجل، لا تقل مدتها عن عشر سنوات، وأن تستند إلى دراسات دقيقة لتوقعات الطلب في ضوء النمو الاقتصادي والتغيرات في القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، مع تحليل انعكاسات ذلك على الأسعار والتكاليف.
وأضاف مدادحة أن من الضروري أن تبنى الإستراتيجية على خليط متوازن من مصادر التوليد التقليدية والمتجددة، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والسياسية في كل مرحلة، والتقلبات المحتملة في أسعار الوقود، وتأثيرها على كلفة الكهرباء.
كما دعا إلى أن تركز الخطة على القطاعات ذات الضغط العالي على الطلب، بحيث تبنى التعرفة المستقبلية على أسس علمية تستجيب لتلك الضغوط وتراعي العدالة بين فئات المستهلكين.
من جانبه، رأى الخبير في شؤون الطاقة د.فراس بلاسمة أن قطاع الكهرباء الأردني يقف اليوم عند مفترق حاسم يتطلب إعادة هيكلة شاملة على المستويين المؤسسي والفني، واصفا المرحلة الراهنة بأنها بمثابة "إعادة تأسيس" كاملة للبنية الكهربية في البلاد.
وأوضح أن شركة الكهرباء الوطنية تحتاج إلى إصلاح جذري يعاد بموجبه تقسيمها إلى ثلاث شركات متخصصة على الأقل الأولى لإدارة شبكات النقل الوطنية وضمان موثوقية الربط، والثانية لإدارة السوق الكهربائي والإشراف على التعاقد والمقاصة، والثالثة للخدمات التقنية والتخطيط الرقمي لتطوير الشبكات الذكية.
وبيّن بلاسمة أن تطبيق هذا النموذج سيؤدي إلى خفض الكلف التشغيلية بنحو 18 %، وتحقيق شفافية أكبر في التسعير، وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة خصوصا في مجالات النقل الذكي والتخزين.
وأشار إلى أن الهيكل الحالي لشركات التوليد والتوزيع لم يعد مواكبا للتحولات الجارية، داعيا إلى إعادة توزيعها جغرافيا لتوسيع نطاق الخدمة وخلق فرص استثمار محلية جديدة، مع تمكين القطاع الخاص من الدخول عبر تراخيص مناطقية واضحة المعايير.
وحول الفاقد الكهربائي، أوضح بلاسمة أنه ما يزال يمثل عبئا ثقيلا على مالية الدولة، إذ تبلغ نسب الفاقد في التوليد نحو 1 % مقابل 0.05 % عالميا، وفي النقل 2.15 %، بينما يتراوح فاقد التوزيع بين 10 % و14 % مقارنة بـ6 % فقط في المعدلات العالمية.
وأرجع هذه الفجوة إلى تهالك الشبكات وضعف العدادات واستمرار السرقات، مؤكدا أن الحل يكمن في تعميم العدادات الذكية واعتماد أنظمة المراقبة المتقدمة (SCADA وAMI)، وإنشاء وحدة وطنية متخصصة للرقابة على الفاقدين الفني وغير الفني.
كما شدد على ضرورة إصلاح نظام التعرفة الكهربائية الذي يعاني من تشوهات واضحة، عبر تطبيق تعرفة مرنة تعتمد على أوقات الاستخدام (Time-of-Use)، وربط الأسعار بمؤشرات الوقود العالمية مع سقف حماية محلي، وتحويل الدعم إلكترونيا للفئات المستحقة فقط، وتمكين المصانع من شراء الطاقة مباشرة عبر اتفاقيات ثنائية (Direct PPAs).
وختم بلاسمة "إصلاح القطاع لم يعد ترفا تنظيميا، بل ضرورة وطنية لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحقيق الكفاءة في إدارة الموارد".