الغد-طارق الدعجة
مع قرب انعقاد الدورة الثانية لمجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان المقررة بعد عشرة أيام، يؤكد خبراء ضرورة منح الأولوية للملفات الاقتصادية ضمن أجندة أعمال المجلس.
وشدد هؤلاء على ضرورة الابتعاد عن محاولة كسب الشعبوية في المجلس على حساب تعزيز الرقابة على الحكومة والتركيز على نقاش التشريعات التي تبسط بيئة الأعمال وتحفز النمو وتدعم الاستثمار والقطاعات الإنتاجية.
ولفتوا إلى أهمية إيلاء السلطة التشريعية دورا أكثر فاعلية في مراجعة الخطط والبرامج الاقتصادية، وتعزيز الرقابة على الأداء الحكومي ومتابعة تنفيذ برنامج رؤية التحديث الاقتصادي بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع وتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل للأردنيين.
وكانت إرادة ملكية صدرت قبل نحو أسبوعين بدعوة مجلس الأمة للانعقاد في دورته العادية الثانية يوم الأحد في الـ26 من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي.
ويرى الخبراء أن المرحلة المقبلة تتطلب عملا تشاركيا وتكامليا بين مجلس النواب والحكومة والقطاع الخاص يقوم على مراجعة شاملة للتشريعات الاقتصادية وتوحيد الجهات الرقابية وتبسيط إجراءات تأسيس وترخيص المشاريع وتقليل البيروقراطية، مؤكدين أن النهوض بالاقتصاد الوطني في هذه المرحلة المفصلية يستدعي من الجميع العمل كفريق واحد بروح المسؤولية والشفافية.
سليحات: المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع العمل كفريق واحد للنهوض بالاقتصاد الوطني
بدوره، قال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب د.نمر السلحيات إن "أساس عمل مجلس النواب يكمن في التشريع والرقابة على الخطط والبرامج الاقتصادية للحكومة".
وشدد السليحات على أهمية رفد لجان مجلس النواب بأصحاب الاختصاص من أعضاء المجلس، من أجل مناقشة أداء وخطط الحكومة بخبرة وكفاءة عاليتين، وإدراك أعمق لأبعاد وحيثيات تلك المناقشات، خصوصا الاقتصادية منها.
وأشار إلى أهمية تركيز المناقشات والأسئلة النيابية الموجهة للحكومة خلال المرحلة المقبلة على القضايا الاقتصادية التي تسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني، في ظل الآثار التي لحقت بالعديد من القطاعات الاقتصادية جراء تداعيات الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة ودول بالمنطقة.
وأكد السليحات أن المرحلة المقبلة تتطلب تشديد الرقابة والمساءلة على الخطط والبرامج، إلى جانب تعزيز التكاملية مع الحكومة بعيدا عن الشعبوية، من أجل تسهيل وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمارات، وبما يسهم في توفير المزيد من فرص العمل للأردنيين، وتخفيف نسب البطالة.
وشدد السليحات على دور مجلس النواب في الرقابة والمساءلة على تنفيذ برامج رؤية التحديث الاقتصادي، من أجل المضي في إنجاز مضامينها خصوصا المتعلقة بالمشاريع الكبرى والبنية التحتية، مؤكدا أن المرحلة الحالية تتطلب من الجميع العمل كفريق واحد للنهوض بالاقتصاد الوطني.
أبو حلتم: التركيز على تشريعات تحفز النمو وتبسط بيئة الأعمال
وأكد الخبير الاقتصادي د.إياد أبو حلتم أن مجلس النواب في دورته العادية المقبلة، يتحمل مسؤولية اقتصادية كبيرة في هذه المرحلة المفصلية من مسار الاقتصاد الوطني.
وقال أبو حلتم "على المجلس أن يولي اهتماما خاصا بالموازنة العامة للعام المقبل بحيث تكون "موازنة رشيقة" تركز على ضبط النفقات الجارية والتشغيلية، مقابل تعزيز الإنفاق الرأسمالي الذي يحرك عجلة الاقتصاد من خلال مشاريع البنية التحتية والمشاريع الكبرى.
وأضاف "التوقعات للعام 2026 تشير إلى إمكانية تحقيق نمو اقتصادي يقترب من 3 % وهي نسبة لم يشهدها الاقتصاد الأردني منذ أكثر من عقد، مدفوعة بتحسن الصادرات، واستقطاب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية، إلى جانب المشاريع الكبرى مثل الناقل الوطني للمياه، مشاريع الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، وتطوير موانئ العقبة ومرسى زايد".
وشدد أبو حلتم على أهمية أن يواكب مجلس النواب هذه المرحلة عبر تسريع التشريعات الاقتصادية وتحديثها، من خلال التركيز على تبسيط إجراءات تأسيس وترخيص المشاريع وتقليل البيروقراطية، وتوحيد الجهات الرقابية على الحدود، بما يسهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى ضرورة مراجعة العبء الضريبي على الشركات والقطاع الخاص بشكل عام، بهدف الوصول إلى مستوى عادل ومعقول من الضرائب يشجع الاستثمار ويحفز النمو بالاضافة الى تسريع تشريعات وانظمة الوساطة والتحكيم.
ودعا أبو حلتم إلى تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية في الشركات، خصوصا العائلية منها، وتطوير الأطر التشريعية التي تشجع الشركات على التحول إلى شركات مساهمة عامة وإطلاق اكتتابات جديدة في سوق عمان المالي، الذي يشهد مؤخرا أداء إيجابيا تجاوز مؤشره حاجز الثلاثة آلاف نقطة لأول مرة منذ عام 2008.
وأكد أبو حلتم أهمية إقرار تشريعات عصرية تتعلق بالاقتصاد الرقمي، والتجارة الإلكترونية، والاقتصاد الأخضر، وتمويل المشاريع المستدامة، لما لهذه الملفات من أثر مباشر على جاذبية البيئة الاستثمارية الأردنية.
وشدد على ضرورة إعادة النظر في التشريعات المتضاربة بين الجهات الرقابية، وتوحيدها لتبسيط الإجراءات وتعزيز الكفاءة مثل الغذاء والدواء والبيئة والمواصفات والمقاييس، مشيرا إلى الحاجة مراجعة شاملة لكل القوانين الاقتصادية وهندستها من جديد بما يزيل أي تعارض أو ازدواجية في الصلاحيات.
واكد أبو حلتم أن المرحلة المقبلة تتطلب شراكة أعمق بين مجلس النواب والقطاع الخاص، ولا سيما من خلال لجنة الاقتصاد والاستثمار واللجان النيابية ذات العلاقة، لضمان أن تكون التشريعات الاقتصادية متوازنة وفعّالة وقادرة على دعم مسيرة النمو المستدامة .
عوض: أهمية بناء علاقة تكاملية مع السلطة التنفيذية تقوم على المساءلة والشفافية
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض إن "الدور الرقابي لمجلس النواب لأداء الحكومة وسياساتها خلال عامه الأول كان محدودا ولم يرق إلى مستوى الدور المرسوم له في الدستور كسلطة رقابية وتشريعية، حيث ظهر غالبا صدى لمواقف الحكومة بدل أن يكون رقيبا عليها أو صانعا لسياسات محفزة للاقتصاد الوطني.
واضاف "هذا الضعف انعكس بشكل واضح في متابعة ومناقشة الخطط والبرامج الحكومية، خاصة الاقتصادية منها، التي تكتفي الأغلبية بتمريرها دون تدقيق كاف أو اقتراح بدائل واقعية".
وبين أن هذه الفجوة تعود إلى عدة أسباب؛ أبرزها أن غالبية النواب يغيبون عن ممارسة دورهم الرقابي الجاد، ما يحول المجلس إلى ساحة شكلية أكثر منه مؤسسة رقابية فاعلة كما أن الانتماء الحزبي الذي حمل معظم النواب إلى المجلس لم يضف قيمة إضافية لأدائهم، إذ شكّلت الأحزاب بالنسبة للكثيرين وسيلة انتخابية للوصول إلى البرلمان، من دون أن تتحول إلى منصات تقدّم برامج سياسية واقتصادية متكاملة.
وأشار إلى أن النقاشات الفنية داخل اللجان المختصة، مثل اللجنة المالية، بقيت ذات طابع فني في أغلب الأحيان، وانتهت بتبني توجهات الحكومة بدلا من فحص السياسات الاقتصادية او تقديم توصيات وسياسات بديلة.
وقال عوض "تعزيز الرقابة البرلمانية يتطلب إرساء منهجية مؤسسية قائمة على قواعد بيانات وتحليلات سياسية جدية، ومتابعة دقيقة لتطبيق البرامج بعد إقرارها، مع بناء علاقة تكاملية مع السلطة التنفيذية تقوم على المساءلة والشفافية لضمان سياسات أكثر عدالة وتحفيزا للاقتصاد الوطني".