الغد-عبدالرحمن الخوالدة
على الرغم من اتساع رقعة الحروب الصهيونية في المنطقة، وما خلّفته من ظلال قاتمة على المشهدين السياسي والاقتصادي إقليميًا، نجح الاقتصاد الأردني في تحييد نفسه نسبيًا عن التأثر المباشر بهذه التوترات، مسجّلًا تحسنًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام 2025.
وبينما اعتبر خبراء اقتصاديون هذا النمو مؤشراً إيجابيًا، شددوا في الوقت ذاته على ضرورة ترسيخ هذا الأداء عبر معالجة الاختلالات الهيكلية في السياسات الصناعية، وتعزيز كفاءة المؤسسات والقطاعات الإنتاجية، فضلًا عن تكثيف جهود التسويق الاقتصادي والاستثماري والسياحي للمملكة، والانفتاح بشكل أوسع على السوق السورية.
ويرى الخبراء أن ثمّة قطاعات واعدة تمتلك القدرة على قيادة النمو المستقبلي، على رأسها الصناعات التحويلية، والاقتصاد الرقمي، والطاقة المتجددة، والسياحة العلاجية والتعليمية، مؤكدين أن هذه القطاعات يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في الأداء الاقتصادي إذا ما تم توظيفها بالشكل الأمثل.
كما أعربوا عن أملهم في أن تسهم مؤشرات التهدئة الإقليمية، والتوقعات المتزايدة بالتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة واستمرار هدوء الجبهة الإيرانية-الإسرائيلية، في تعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني، وتحفيز مزيد من النمو خلال الفترة المقبلة.
وبحسب أحدث بيانات صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام 2025 إلى 2.7 % بالأسعار الثابتة، مقارنة بـ2.2 % في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وأظهرت المعطيات أن معظم القطاعات الاقتصادية في المملكة حققت نموًا ملموسًا رغم استمرار الظروف الإقليمية المعقدة، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا في سياق تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، التي تهدف إلى رفع نسب النمو تدريجيًا.
ووفق البيانات، تصدّر قطاع الزراعة قائمة القطاعات الأكثر نموًا بمعدل بلغ 8.1 %، مسهمًا بـ0.45 نقطة مئوية من معدل النمو، تلاه قطاع الكهرباء والمياه بنسبة 5.8 %، ثم الصناعات التحويلية بنسبة 5.1 % بمساهمة بلغت 0.88 نقطة مئوية، ثم قطاع الخدمات الاجتماعية والشخصية بنسبة 3.4 % وبمساهمة قدرها 0.27 نقطة مئوية.
وفي السياق، أكد مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين، طارق حجازي، أن النمو الاقتصادي المسجّل في الربع الأول من عام 2025 يُعدّ مؤشرًا على تعافٍ تدريجي للاقتصاد الأردني، رغم التحديات الجيوسياسية الإقليمية المستمرة. واعتبر أن أداء القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الزراعة والصناعات التحويلية، عكس نجاح سياسات الأمن الغذائي واستخدام التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى قدرة الأردن على تعزيز صادراته، لاسيما في الصناعات الدوائية والكيماوية.
وشدد حجازي على أن تنوع مصادر النمو خلال الربع الأول يسهم في تقليل المخاطر الاقتصادية، ويمنع الاعتماد على قطاع واحد. لكنه أوضح أن النمو الحالي، رغم كونه مشجعًا، ما يزال دون المستوى المستهدف في رؤية التحديث الاقتصادي، ولا يكفي لمعالجة التحديات الكبرى مثل ارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا في المحافظات خارج العاصمة.
وأشار إلى ضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على تنشيط قطاعات السياحة والإنشاءات التي تأثرت سلبًا بعدم الاستقرار الإقليمي، وبارتفاع أسعار المواد عالميًا، إضافة إلى الضغوط الناتجة عن التضخم العالمي، الذي رفع تكاليف الإنتاج المحلي.
نمو مستدام مشروط بدعم الإنتاج
وتوقع حجازي أن يظل النمو الاقتصادي مستدامًا إذا ما استمر دعم القطاعات الصناعية والزراعية، إلى جانب تخفيف أعباء الطاقة، من خلال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة. كما دعا إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية، وضمان استقرار الأوضاع الإقليمية لتجنب صدمات جديدة مثل ارتفاع أسعار النفط أو تصاعد التوترات السياسية.
وأشار إلى أهمية تنويع الاقتصاد عبر دعم مشاريع الاقتصاد الأخضر، وتوسيع اتفاقيات التجارة مع الأسواق الإفريقية، وتعزيز الصادرات من خلال توفير ائتمان ميسر للمصدرين، وتبني سياسات اقتصادية ذكية، تتيح تحفيز النمو وتوسيع قاعدة التشغيل.
وفي السياق ذاته، أكد حجازي إمكانية رفع معدل النمو إلى 4 % سنويًا إذا ما تم الاستثمار والمتابعة المباشرة في خمسة قطاعات استراتيجية، هي: الصناعات الدوائية، التكنولوجيا الحيوية، الخدمات اللوجستية الإقليمية، مشاريع الهيدروجين الأخضر، والسياحة العلاجية والتعليمية. ولفت إلى أن الأردن قادر، بحسب الدراسات، على إنتاج نحو 500 ميغاواط من الهيدروجين الأخضر بحلول 2028، وتصديره إلى أوروبا عبر مصر.
ربط الزراعة بالصناعة والتكنولوجيا
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن النمو المتحقق خلال الربع الأول من 2025 يُمثل تحسنًا إيجابيًا، ويعكس توسّع القاعدة الإنتاجية في المملكة، على الرغم من الظروف الجيوسياسية الصعبة.
ورأى أن تحقيق استدامة في هذا النمو يتطلب معالجة الثغرات الهيكلية في السياسات الصناعية، لافتًا إلى ضرورة دعم تصنيع المنتجات الزراعية، وتخفيض كلفة الطاقة عبر مشاريع الربط الكهربائي الإقليمي، بالإضافة إلى تحفيز الاستثمار الأجنبي في الصناعات التحويلية والتكنولوجيا، وتبسيط إجراءات تمويل المشاريع الصغيرة.
ودعا مخامرة إلى تعزيز التكامل القطاعي، من خلال ربط الزراعة بالصناعات الغذائية، ودمج الخدمات الرقمية في القطاعات التقليدية، وتطوير آليات مرنة للتعامل مع الأزمات التي تعطل سلاسل التوريد، في ضوء التوترات الإقليمية.
قطاعات واعدة
وحدد مخامرة أربعة قطاعات رئيسية يمكن أن تُسهم في دفع النمو إلى مستويات أفضل، أبرزها الصناعات التحويلية، التي تمثل ركيزة قوية للتصدير، خاصة في مجالي الأدوية والنسيج، داعيًا إلى تعزيز التحول الرقمي فيها. كما شدد على أهمية الاقتصاد الرقمي والخدمات المالية، عبر دعم التشريعات المتعلقة بالتقنيات المالية (Fintech)، وتوسيع صادرات الخدمات الرقمية.
وفي قطاع الطاقة المتجددة، أشار إلى أن الأردن من أغنى دول المنطقة بالطاقة الشمسية، داعيًا إلى تسريع مشاريع التخزين وتوطين تصنيع مكونات الطاقة. كما شدد على أهمية الاستثمار في السياحة العلاجية والتعليمية، من خلال استقطاب الطلبة الدوليين، وتصميم برامج ترويجية متكاملة تبرز الميزات التنافسية للمملكة.
وختم مخامرة بالتأكيد على أن التحول الهيكلي المدروس، وتفعيل أدوات السياسة الاقتصادية، هما السبيل لتحقيق معدلات نمو مرتفعة وخفض البطالة، لاسيما أن معدل البطالة ما يزال عند 22.3 %، بينما تستهدف رؤية التحديث تحقيق نمو يتراوح بين 5 % و6 %.
كفاءة المؤسسات والانفتاح الإقليمي
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي مفلح عقل أن النمو المحقق في الربع الأول يعكس ارتفاع كفاءة المؤسسات والقطاعات الإنتاجية، إلى جانب جهود الحكومة في ضبط المالية العامة وتعزيز العلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية، ما انعكس إيجابيًا على أداء الاقتصاد.
وبيّن أن تحسن النمو لم يقتصر على قطاع واحد، بل شمل عدة قطاعات حيوية، ما يُظهر قدرة الاقتصاد الأردني على امتصاص الصدمات والتكيّف مع الأزمات. وتوقع أن يواصل النمو تحسنه ليصل إلى نحو 3% بنهاية 2025، في حال استمرار التهدئة الإقليمية، والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، واستقرار الجبهة الإيرانية–الإسرائيلية.
وأشار عقل إلى أن الاستقرار السياسي سيسهم في تحسن أداء قطاع السياحة خلال الأشهر المقبلة، ويدعم كذلك فرص توسيع التبادل التجاري مع سورية، ما يرفع الطلب على الإنتاج المحلي ويُعزز النمو.
وأكد عقل على أهمية الاستمرار في تحسين كفاءة القطاعات الإنتاجية، وتسويق الأردن بفاعلية كوجهة اقتصادية واستثمارية وسياحية، بالإضافة إلى تعميق الانفتاح الاقتصادي على سورية بما يحقق التكامل الإقليمي ويعزز فرص التعافي الاقتصادي المستدام.