خشية الخسائر.. بداية متواضعة في التجهيز للموسم الزراعي بالأغوار الجنوبية
الغد-هشال العضايلة
الكرك- في مثل هذا الوقت من العام، يكون أغلبية المزارعين في الأغوار الجنوبية قد انتهوا تقريبا من تجهيز وإعداد الأراضي الزراعية للبدء بزراعتها للموسم الجديد، لكن واقع الحال يظهر أن أغلبية المزارعين لم يبدأوا بعد بتجهيز الأراضي أو حتى التفكير بالبدء بتلك العملية التي تتطلب حوالي شهر كامل من العمل.
وتشمل عملية تجهيز وإعداد الأراضي الزراعية في الأغوار الجنوبية، والبالغ مساحتها 55 ألف دونم تقريبا؛ تنظيف الأرض وحراثتها وفرمها وتسويتها ووضع الأسمدة العضوية وإعداد خطوط الزراعة وتنظيم أنابيب الري، ووضع الغطاء البلاستيكي "الملش"، وانتظار موعد غرس الأشتال والبذور، وهي عملية تستغرق وقتا وجهدا ومالا لأنها تشكل نصف الكلفة المالية للموسم الزراعي.
ويؤكد مزارعون، أن تلك العملية تتطلب كلفة مالية كبيرة ليست متوفرة حاليا للعديد منهم، ويقوم أغلبهم بشراء احتياجات مزارعهم بالاستدانة من محال بيع المستلزمات الزراعية على أمل حصولهم على عائد مالي جيد في الموسم المقبل، ما اضطر العديد منهم لتأخير عملية الزراعة التي تشمل حاليا تجهيز الأراضي للزراعة.
والغور الجنوبي، كما هو معروف، يعد من أهم المناطق الزراعية في المملكة، وتقدر المساحات الزراعية فيه بنحو 55 ألف دونم، يزرع منها 30 ألفا كل موسم بالبندورة والخضار الأخرى، وبقية المساحة تزرع بمحاصيل مختلفة.
وقد تراجعت، في المواسم الأخيرة، مساحات زراعة محصول البندورة الأكثر شهرة لصالح محاصيل، مثل الثوم والبصل والحمص وزراعات موسمية أخرى، على أمل أن تشكل الزراعات الأخرى تحسنا في أوضاع المزارعين، لكن أملهم خاب مع وصول أسعار البصل والثوم والحمص إلى مستويات أسعار البندورة نفسها.
وخلال المواسم الزراعية الأخيرة، تعرض غالبية المزارعين لخسائر اضطرت العشرات منهم لإلقاء منتجاتهم في الطريق العام ومجاري الأودية والسيول، خصوصا البندورة، الأكثر إنتاجا في الأغوار، لعدم قدرتهم على تغطية تكاليف الإنتاج من تجهيز للأرض والبذار والمياه والنقل والعمالة والتسويق.
مأزق الأسعار المتدنية
ودفعت الأسعار المتدنية العديد من المزارعين إلى التوقف عن بيع منتجاتهم للأسواق المركزية للخضراوات والفواكه، بل بيعها للمواطنين عبر مزارعهم أو للباعة الموسميين على جوانب الطريق العام في الأغوار الجنوبية، وهو الأمر الذي لا يعد مجديا بسبب عدم كفاية هذه الطريقة في تسويق الكميات الكبيرة من الإنتاج.
وأشار المزارع أحمد العشوش إلى أنه في مثل هذا الوقت ينهمك مزارعو الغور الجنوبي بالإعداد والتجهيز للموسم الزراعي المقبل، مثل حراثة الأرض وتسويتها، إلا أن واقعا صعبا دفع الكثيرين منهم إلى الإحجام عن فعل ذلك، خشية تعرضهم لمزيد من الخسائر التي يتكبدونها بسبب تراجع أسعار الخضار والفواكه في موعد إنتاجها بالأغوار الجنوبية.
وأكد أن ما يثير مخاوف المزارعين في مناطق الأغوار الجنوبية، التي تضم الغور الصافي والمزرعة والحديثة وفيفا والذراع، هو تكرار تراكم الخسائر المالية الناتجة عن انهيار أسعار الخضار والفواكه، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن الموسم الماضي شهد امتناع بعضهم عن جمع محاصيلهم للعديد من الزراعات، آخرها البصل والملوخية، وتركها في الأرض تخفيفا للخسائر.
كما أشار العشوش، إلى أن الخسائر التي تعرضوا لها في الموسم الزراعي الماضي أظهرت أنه كان من أصعب المواسم التي مرت عليهم منذ سنوات طويلة، ولم تجد كل التصريحات الرسمية نفعا في التخفيف من وطأة الخسائر المالية. وجاءت قرارات دعم مزارعي البندورة متأخرة بعد انتهاء الموسم في الأغوار الجنوبية.
وقال المزارع علي النواصرة إن تكبد المزارعين خسائر مالية سنويا، جراء عوامل مختلفة أبرزها ضعف التسويق والتصدير في فترة غزارة الإنتاج، دفعهم إلى التردد في بداية كل موسم في تجهيز أراضيهم لزراعتها، خصوصا البندورة التي تعد زراعة رئيسة في الأغوار الجنوبية وتغطي نصف الأراضي سنويا.
ولفت النواصرة، إلى أن هذا التردد في التجهيز للزراعة سببه سعي المزارعين إلى تقليل خسائرهم، لكنهم في نهاية المطاف لا يملكون أي خيارات أو بدائل سوى زراعة الأرض التي لا يملكون عملا غيرها. مشيرا إلى أن المزارعين عادة ما يجهزون أراضيهم للزراعة قبل شهر من بداية موسم، فعملية التجهيز تحتاج لنحو شهر بدءا من الحراثة والتسميد، ثم تبدأ الزراعة في الشهر الذي يليه. مؤكدا أنه وبسبب الخسائر المالية الناتجة عن تردي أسعار الخضار الموسم الماضي، ما يزال أغلبية المزارعين يحجمون عن تجهيز الأرض للزراعة.
مساحات كبيرة بلا زراعة
من جهته، يؤكد رئيس جمعية التأهيل المجتمعي في الأغوار الجنوبية، المزارع فتحي الهويمل، أن عددا كبيرا من المزارعين تركوا مساحات كبيرة من أراضيهم الموسم الماضي بلا زراعة، في حين أن العديد منهم لم يقوموا حتى الآن بتجهيز الأرض للموسم المقبل، بسبب ما تعرضت له من خسائر في الموسم السابق.
وأشار الهويمل إلى أن هناك تقديرات تكشف أن الخسائر التي تعرضت لها زراعات لم تجد تسويقا وبقيت أسعارها دون كلفة الإنتاج، بينها البصل والبندورة والملوخية، وصلت إلى نحو 7 ملايين دينار، وأن أكثر من 80 % من القاطنين في الأغوار الجنوبية يعتمدون على الزراعة ويعتبرونها مصدرا رئيسا من مصادر دخلهم.
بدورها، أكدت مديرة زراعة الأغوار الجنوبية المهندسة رائدة المعايطة، أن تأخر المزارعين في تجهيز وزراعة أراضيهم حتى هذا الوقت من العام يعود إلى تأخر الموسم الزراعي كله بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي لا تسمح بزراعة الأشتال، مشيرة في الوقت ذاته، إلى أن إنشاء المصانع الزراعية في الأغوار الجنوبية سوف يسهم في حل مشكلة فائض الإنتاج سنويا، بحيث يستوعب كميات كبيرة من الإنتاج لمختلف أصناف الخضار.