أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-Aug-2025

الهدف السادس للتنمية المستدامة.. هل يحقق الأردن التقدم المنشود؟

 الغد-إيمان الفارس

 في ظل التحديات المتفاقمة المتعلقة بشح الموارد المائية، والنمو السكاني المتسارع، وتأثيرات تغير المناخ، يجد الأردن نفسه في مواجهة مباشرة مع واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد أمنه المائي.
 
 
لكن في مقابلها، يظهر التزاما واضحا بتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، المتمثل بـ"ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة".
الاستمرار بتحديث السياسات
ففي سياق إقليمي، يعاني الأردن من أزمات مائية، لكن يمكن له أن يشكل نموذجا للدول التي تسعى للتوازن بين الإدارة الرشيدة للمياه، وتلبية احتياجات النمو السكاني، وتحقيق الأهداف الأممية. ونجاح ذلك مرهون بالاستمرار في تحديث السياسات، وتوفير التمويل، وتعزيز الشراكة المجتمعية، وتطوير أدوات الرقابة والمساءلة.
وانطلاقا من هذه الضرورة، حدث الأردن الإستراتيجية الوطنية للمياه، والتي تشكل خريطة طريق لمواءمة السياسات الوطنية مع المتطلبات الأممية.
ففي الوقت الذي تسلط فيه الأمم المتحدة الضوء على تجارب دول مثل: بوتان ورواندا والسعودية، وفق تقرير صدر أخيرا عن "يونايتد نيشنز ووتر"، وحصلت "الغد" على نسخة منه، التي حققت تقدما لافتا في إدارة المياه والصرف الصحي، يطرح سؤال جوهري حول موقع الأردن من الهدف السادس.
وبينما تعاني المملكة من فقر مائي مزمن، تقدّر فيه حصة الفرد السنوية بأقل من 100 م3، وهو من أدنى المعدلات عالميًا، يبقى أمامها تحدّ متصاعد لمجاراة متطلبات هذا الهدف، خصوصا في ظل التغيرات المناخية الحادة، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع مصادر المياه التقليدية.
ويتمثل التقدم في تحقيق الهدف السادس، بحسب تعريف الأمم المتحدة، بضمان وصول الأطفال لمياه شرب آمنة ومرافق صحية في المدارس، وتوفير مرافق صرف صحي ونظافة فعالة، إلى جانب تحسين البنية التحتية، ومعالجة مياه الصرف، والحد من الاعتماد على مصادر غير مأمونة.
أنظمة ري ذكية ومؤسسات قوية
وعلى أرض الواقع، يعني ذلك أيضا أن النساء في المناطق النائية، لن يضطررن لقطع مسافات طويلة لجلب المياه، وأن المجتمعات ستصبح أكثر أمنا صحيا وبيئيا، عبر أنظمة ري ذكية ومؤسسات قوية، تدير المياه كمورد مشترك بفعالية واستدامة.
وما تزال التحديات في الأردن، قائمة برغم الجهود الكبيرة، وفق تصريحات متكررة عبر وزارة المياه والري؛ إذ يشهد قطاع المياه ضغوطا غير مسبوقة في الصيف، لا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ونقص تخزين السدود، وتزايد الطلب.
وبحسب الناطق باسم وزارة المياه والري، عمر سلامة، بلغ العجز المائي في الصيف الحالي نحو 40 مليون م3، في وقت تُضخ فيه المياه من مختلف المصادر بكامل طاقتها التشغيلية، دون وجود بدائل إضافية يمكن اللجوء إليها حاليا.
وتسعى الوزارة عبر مشروع "الناقل الوطني" لتأمين مصادر مياه محلية مستدامة، وتحسين شبكات التوزيع، وتقليل الفاقد، وهي خطوات تدخل في إطار تحقيق مقاصد الهدف السادس، وإن ظلت نتائجها مرهونة بمدى الاستقرار المالي والدعم المؤسسي طويل الأمد.
توافر المياه وخدمات الصرف الصحي
وفي الإطار ذاته، أكد الأمين العام الأسبق للوزارة باسم طلفاح، في تصريحات لـ"ألغد"، أن تحقيق الأمن المائي، لم يعد خيارًا بل ضرورة حتمية، تتطلب مواءمة سياسات المياه الوطنية مع أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف السادس منها، الذي ينص على "ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها بشكل مستدام" بحلول العام 2030. 
وشدد طلفاح في هذا السياق، على أهمية التكامل المؤسسي والتشريعي، وتبني إستراتيجيات متقدمة لضمان استمرارية موارد المياه في ظل التحديات المناخية والديموغرافية المتصاعدة. مشيرا إلى أن الوزارة حددت منذ أكثر من عقد، ضمن سياستها الصادرة عام 2012، بألا تقل حصة الفرد اليومية من المياه المنزلية عن 80 لتراً. 
كما عملت الوزارة في الفترة بين 2015 و2016 على تطوير سياسات حيوية أعادت توزيع المياه بين مختلف القطاعات، وسعت لتقليل الفاقد، وترشيد الطلب، وإدارة المياه السطحية، ضمن نهج يهدف لضمان التزويد المستدام للمواطنين بالمياه، وفقاً للحصة المقررة.
ولفت طلفاح إلى أن الأردن، بصفته واحدا من أكثر الدول معاناة من شُحّ المياه في العالم، واجه تحديات متعاظمة بإدارة هذا المورد الحيوي. فإمدادات المياه تعتمد بشكل كبير على مصادر المياه الجوفية التي باتت مستنزفة نتيجة تراجع معدلات الهطول المطري، وهو التراجع الذي تفاقم بفعل التغير المناخي، إلى جانب النمو السكاني المتسارع. 
وبيّن أن سجلات الأمطار والتوقعات المناخية، تُظهر بأن المعدل السنوي للهطول المطري يشهد انخفاضا واضحا، ويرجح بأن يستمر هذا الانخفاض مستقبلا، ما يزيد من الضغوط على الموارد المتاحة. 
مركزية المياه كحق إنساني
فالموسم المطري الأخير حقق نحو 65 % من المعدل طويل الأمد للهطول، والمقدر بـ8.1 مليار م3 سنويا، بالإضافة لتباين فترات الهطول، وارتفاع درجات الحرارة، ما ساهم بخفض القدرة التخزينية السنوية للأحواض الجوفية، وزيادة نسب التبخر التي تجاوزت 93 % من المياه الساقطة.
وفي إطار جهود تعزيز الاستدامة، أوضح طلفاح بأن الوزارة طورت السنوات الماضية سياسات تنموية ترتبط بشكل مباشر بالتزامات الأردن تجاه إستراتيجية الأمم المتحدة للإدارة المستدامة، وتتماشى كذلك مع خطة العمل الوطنية للنمو الأخضر، وإستراتيجية المياه الأردنية للأعوام 2023–2040.
وبيّن طلفاح أن الوزارة أولت اهتماما خاصا بمواءمة السياسات الوطنية للمياه مع الهدف السادس، والذي يؤكد على مركزية المياه كحق إنساني، وكمقوم رئيس لتحقيق الأمن الغذائي والصحي، والاستقرار البيئي والاجتماعي. 
ومنذ العام 2010، عززت الوزارة منهجية الوصول الشامل لمياه شرب مأمونة وميسورة التكلفة، إلى جانب تحسين جودة المياه بتقليل مصادر التلوث، ووقف تصريف المواد الخطرة، وتحسين كفاءة استخدام المياه عبر جميع القطاعات. 
كما جرى التركيز على خفض الفاقد، وتنفيذ إدارة متكاملة لموارد المياه على المستويات كافة، والتوسع في خدمات الصرف الصحي الآمن، وحماية النظم الإيكولوجية المرتبطة بالمياه، بخاصة مصادر المياه الجوفية.
تعزيز التكامل بين قطاعات المياه
وفي تحليله للواقع والسياسات، رأى طلفاح أن مواءمة السياسات المائية مع الهدف السادس، يجب أن تمر بتعزيز التكامل بين قطاعات المياه والطاقة والزراعة، بما يضمن استدامة الموارد ويحول دون تعارض السياسات القطاعية. 
كما شدد على تحسين أنظمة البيانات والمؤشرات لتتبع التقدم في مؤشرات الهدف السادس، وتطوير الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، ورفع الوعي المجتمعي، وتحديث إستراتيجية قطاع المياه لتكون متوافقة مع مؤشرات هذا الهدف، مثل: تغطية خدمات مياه الشرب المأمونة، الصرف الصحي المُدار بأمان، كفاءة الاستخدام، والحوكمة الرشيدة.
ولفت طلفاح إلى حاجة تحقيق الهدف السادس، جهودا متكاملة تتضمن إصلاحات مؤسسية وتشريعية، واستثمارات نوعية في البنية التحتية، وإشراك المجتمعات المحلية، وتبني تقنيات حديثة لرصد الأداء وتحسينه.
وفي الجانب المؤسسي، دعا لتبني منهجية تربط بين قطاعات المياه والطاقة والزراعة والبيئة، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات المحلية. موصيا بإعادة هيكلة مؤسسات قطاع المياه لتحقيق استقلالية تشغيلية، وتعزيز الحوكمة والمساءلة، وتفعيل دور وحدة التخطيط المائي الوطني وربطها بوحدات SDG بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، بالإضافة لإطلاق برامج تدريب وبناء قدرات للعاملين في القطاع في مجالات التمويل المستدام، والعدالة المائية، والمراقبة البيئية. 
وشدد على ضرورة تمكين البلديات من تقديم خدمات المياه والصرف الصحي، خصوصًا في المناطق التي لا تشملها الشبكة المركزية.
أما من الجانب التشريعي، فشدد طلفاح على تعديل التشريعات البيئية والصحية، بما يضمن رقابة صارمة على جودة المياه المعالجة والمستخدمة، وتوسيع الإطار القانوني لإعادة استخدام المياه الرمادية والمياه المعالجة. داعيا لتكريس الحق بالمياه، وتعزيز مبادئ الشفافية والكفاءة، وتحديد المسؤوليات بين الجهات ذات العلاقة بشكل واضح.
وأكد على أن الانتقال نحو تحقيق الهدف السادس في الأردن، تحدٍّ تشريعي ومؤسسي وتمويلي. لهذا، فإن المطلوب، مواءمة السياسات المائية الوطنية مع مبادئ الاستدامة، والعدالة، والحوكمة الرشيدة، عبر تشريعات فاعلة، ومؤسسات مرنة، وتخطيط تشاركي، يرفع من صوت المجتمع المحلي، ويستثمر بالحلول الابتكارية.
شح الموارد المائية وازدياد الطلب
وفي هذا السياق، أكد الخبير الدولي في قطاع المياه محمد إرشيد، أهمية وأولوية مواءمة السياسات الوطنية للمياه مع الهدف السادس، المتعلق بضمان توفير المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها بشكل مستدام وملحّ في ظل الظروف المائية الصعبة التي يمر بها الأردن.
وقال إرشيد إن المملكة تواجه تحديات مركبة، تتمثل بشح الموارد المائية وازدياد الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني، وتدفقات اللجوء، والتغيرات المناخية، وفي ضوء هذا الواقع، تعمل على تحديث الإستراتيجية الوطنية للمياه، والتي تركز على تحسين إدارة الطلب على المياه، وتوسيع نطاق إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، ورفع كفاءة شبكات المياه وتقليل الفاقد.
وذلك إلى جانب تنفيذ مشاريع إستراتيجية كمشروع الناقل الوطني لتحلية ونقل المياه من العقبة إلى مناطق المملكة. مشيرا لضرورة الاستمرار بتنفيذ إجراءات إصلاحية على مستويات متعددة، لتحقيق مواءمة فعالة بين السياسات الوطنية ومتطلبات الهدف السادس، ومن ضمنها: تعزيز الحوكمة المائية ببناء مؤسسات قوية، وتحسين آليات الرقابة والشفافية في قطاع المياه، وتشجيع الابتكار والتكنولوجيا، بما في ذلك العدادات الذكية، وأنظمة الرصد، وتوسيع محطات التحلية وإعادة الاستخدام.
كذلك دعم المشاركة المجتمعية بإدارة المياه على مستوى البلديات والمجتمعات المحلية، وتعزيز التكامل بين السياسات المائية والزراعية والبيئية، لضمان إدارة مستدامة للمصادر المائية الجوفية والسطحية. لافتا إلى أن الأردن بحاجة لتطوير أدوات تمويلية مبتكرة لضمان استدامة تنفيذ المشاريع المائية، ومنها تحديث الخطة الرأسمالية للقطاع، مؤكدًا أن تحقيق الهدف السادس ليس مجرد التزام دولي، بل يمثل ضرورة وطنية لضمان الأمن المائي والتنمية الشاملة.
أولويات التشريعية والمؤسسية
ووضع إرشيد تصورا واضحا للأولويات التشريعية والمؤسسية الضرورية التي يجب اعتمادها في قطاع المياه، لضمان الوصول العادل والمستدام لخدمات المياه والصرف الصحي بحلول العام 2030، وتشمل أولا؛ الأولويات التشريعية، والتي تتضمن: تحديث الإطار القانوني للقطاع، وسن قوانين تدعم الشفافية والمساءلة، وتعزيز التشريعات الخاصة بمراقبة الجودة، وإنشاء آليات قانونية للإبلاغ عن التحديات والاستعمال غير المشروع للمياه. ووضع تشريعات تُمكّن من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتنظيم تعرفة المياه بشكل عادل ومستدام.
ويشمل التصور أيضا المحور الثاني المرتبط بالأولويات المؤسسية؛ ومنها: إعادة هيكلة الحوكمة المؤسسية للقطاع، بتحديد أدوار ومسؤوليات واضحة بين الوزارة وسلطة المياه، وشركات المياه، وتعزيز اللامركزية وتفعيل دور البلديات. كذلك إرساء قدرات المؤسسات العامة بالاستثمار في بناء قدرات الكوادر الفنية والإدارية، وتبني نظم إدارة حديثة، تعتمد على التكنولوجيا والرقمنة، وتحسين التنسيق بين الجهات المعنية عبر عدة إجراءات.
وتتضمن تلك الإجراءات، إنشاء مجلس وطني دائم لإدارة المياه، يضم ممثلين عن الوزارات ذات العلاقة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وتوحيد قواعد البيانات وأنظمة المعلومات الجغرافية المتعلقة بالمياه، وتعزيز الرقابة وتطبيق القانون، وتبني نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية، لضمان الاستخدام الأمثل لجميع المصادر المائية.
وشدد إرشيد على أن الأردن لا يمكنه تحقيق استدامة مائية بمعزل عن محيطه الإقليمي والدولي، داعيا للمضي ضمن أولويات المرحلة المقبلة؛ ومنها تحديث الاتفاقيات المائية مع الدول المجاورة استنادًا لمبادئ القانون الدولي، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية لتأمين التمويل، ونقل المعرفة وبناء القدرات، والانخراط في مشاريع مائية إقليمية مشتركة، تحقق مصالح متوازنة لجميع الأطراف.
تحقيق نقلة نوعية في القطاع
ورأى الخبير أن الأردن يمتلك الإرادة والخطط لتحقيق نقلة نوعية في القطاع، لكنه بحاجة لتسريع خطوات التنفيذ، وتعزيز الشفافية، وتوفير التمويل، وإشراك مختلف الفاعلين من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. مشيرا إلى أن يتحول الالتزام بتحقيق الهدف السادس من التزام شكلي إلى واقع ملموس، يضمن مستقبلا مائيا آمنًا للأجيال القادمة.
وعودة لتفاصيل التقرير، فإن السعودية، الدولة الصحراوية ذات الموارد المحدودة مائيًا، أصبحت نموذجا بتحقيق 83 % من متطلبات الإدارة المتكاملة للمياه، مع الحفاظ على معدلات مرتفعة في خدمات المياه والصرف الصحي.
وتستند هذه الدول في إنجازاتها إلى خليط من التمويل، الابتكار، تنمية القدرات، الحوكمة، وتحسين البيانات، وهي العوامل الخمسة التي حددتها الأمم المتحدة كمُسرّعات لتحقيق الهدف السادس.
وللوصول إلى الأهداف المنشودة، لا بد من رؤية وطنية محدثة تعكس الواقع المائي المتغيّر، وتأخذ بعين الاعتبار المعايير العالمية، وتُدمج الحلول المجتمعية والتكنولوجية معًا.