الإنفاق التنافسي.. قوة خفية تستنزف جيوب الأردنيين
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
يقول مثل قديم "من اشترى ما لا يحتاج باع ما يحتاج"، إذ يختزل صاحب هذه المقوله حال كثير من الناس، حينما تفني نار الاستهلاك ما في جيوبهم لشراء ما لاحاجة لهم به.
لكن، بات الكثير من الناس اليوم لا يبيعون حاجاتهم حينما تفرغ جيوبهم، إذ أصبح الطريق سهلا.. فباب الاقتراض مفتوح على مصراعيه يدخله السمين والنحيل.. ليس لشيء ذي أهمية.. بل لتلبية رغبة "الإنفاق التنافسي" التي تتحكم بقرارات الناس، كـ"ـقوة خفية" عند شراء السلع.
يجسد ذلك الحال، الثلاثيني محمد سليمان الذي اشترى هاتفا جديدا يفوق ثمنه دخله المحدود بأكثر من الضعفين، لمجاراة أصدقائه وزملائه.
ويقول محمد "كان هاتفي القديم يتسبب لي بالحرج أمام أصدقائي، وأشعر دائما بالنقص.. لكنني لجأت إلى الاقتراض كي أتخلص من هذا الشعور".
ويضيف حصلت على هاتف جديد بكلفة مرتفعة، فتراكمت مزيد من الأعباء الاقتصادية التي ما تزال تثقل كاهلي منذ عامين".
ويعكس الإنفاق التنافسي، سلوكا استهلاكيا شائعا ويشكل خطرا على الاستقرار المالي للأسرة، ولا سيما في بيئة اقتصادية كالأردن تتراجع فيها القدرة الشرائية ويزداد فيها عبء القروض الاستهلاكية حسب خبراء.
ويقصد "بالإنفاق التنافسي": السلوك الاستهلاكي الذي يقوم به الأفراد أو الأسر بإنفاق المال بهدف إظهار مكانة اجتماعية أو مجاراة نمط حياة فئة معينة من المجتمع، وليس بدافع الحاجة الحقيقية يتأثر هذا النوع من الإنفاق غالبا بـ"نظرة الآخرين"، و"المقارنة الاجتماعية"، حيث يسعى الفرد إلى الحفاظ على صورة اجتماعية معينة أو تحسينها، حتى لو تطلب ذلك الاقتراض أو التضحية بالاستقرار المالي .
وتشير الأرقام إلى أن حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك في نهاية العام الماضي، بلغت حوالي 34.798 مليار دينار، بارتفاع نسبته 4.2 % عن العام 2023، وفقا للتقرير السنوي لجمعية البنوك الأردنية.
وبحسب التقرير اتخذت معظم التسهيلات من قبل البنوك العاملة في الأردن، شكل القروض والسلف التي شكلت حوالي 60.3 %، من إجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة العام الماضي .
أسر في قبضة "الإنفاق التنافسي"
تتكرر قصة محمد يوميا، حيث يتحول الإنفاق لكثير من الأسر من ضرورة إلى تنافس، ومن هذه القصص أم أسامة التي قررت شراء "طقم كنب" جديد لغرفة الضيوف، متأثرة بشراء عدد من زميلاتها في العمل لأطقم جديدة.
وتبين أم أسامة التي تعمل معلمة، أنها دخلت في جمعية بقيمة 100 دينار لمدة عام، من أجل الإيفاء بثمن طقم الكنب الجديد، رغم عدم حاجتها الملحة لذلك، حيث لم يمض على الطقم القديم 6 سنوات.
وتشير أم أسامة، إلى أنها استيقظت على حقيقة العبء الاقتصادي الذي لحق بها جراء شراء الطقم الجديد بعد شهرين، لافتة إلى ندمها على ذلك.
أما الأربيعني محمد إسماعيل، فوجد نفسه تحت تأثير اقتناء عدد من معارفه للسيارات الكهربائية، ما أدى إلى بيع سيارته القديمة رغم حداثتها والاقتراض من جديد للشراء سيارة كهربائية بسعر يفوق ثمن سيارته القديمة، بما يقترب من الضعف.
ويضيف محمد أن إنفاقه الشهري على البنزين لم يكن مرتفعا، حيث إن المسافة التي يقطعها يوميا لا تتجاوز 30 كيلو مترا، ما يعني أنه ليس هناك مبررا ودافعا حقيقيا لتغيير سياراته.
وواصل محمد "تعرض وضعي الاقتصادي إلى تراجع واضح، منذ عام ونيف نتيجة لهذا القرار الاستهلاكي المستعجل وغير المدروس".
"الإنفاق التنافسي" يعمق الاستدانة ويهدد الاستقرار المالي في الأردن
وفي تعليقه على تنامي ظاهرة الإنفاق التنافسي محليا، حذر الخبير في الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش من اتساع ظاهرة الإنفاق التنافسي في المجتمع الأردني، واصفا إياها بأنها إحدى العوامل غير المرئية التي تفاقم الأعباء المالية على الأفراد والأسر، وتضعف قدرة الاقتصاد الوطني على النمو المستدام.
واعتبر عايش أن هذا النمط من الإنفاق، الذي يمارس أحيانا بدافع إبراز المكانة الاجتماعية أو الاندماج في شرائح معينة، يتم بمعزل عن الإمكانيات المالية الحقيقية، ويهدف إلى تحقيق إشباع رمزي يعكس صورة اجتماعية لا تطابق الواقع الاقتصادي للفرد.
وبين أن الإنفاق التنافسي يرتكز على مبدأ المقارنات الاجتماعية، إذ يقاس النجاح أحيانا بمدى القدرة على مجاراة الآخرين في الاستهلاك، حتى وإن كان ذلك على حساب الإحتياجات الأساسية، مشيرا إلى أن اللجوء إلى بطاقات الائتمان والقروض غير الرسمية، بات سلوكا شائعا لتغطية هذا النوع من الإنفاق، ما أدى إلى ارتفاع مقلق في مستويات المديونية.
ولفت عايش إلى أن مديونية الأفراد لدى الجهاز المصرفي تجاوزت 14 مليار دينار، إلى جانب مليارات أخرى مستدانة من جهات غير رسمية أو من شركات التمويل، وهو ما يشير إلى فجوة مالية عميقة تتطلب تدخلا توعويا وتنظيميا عاجلا.
وأشار إلى أن من أبرز آثار الإنفاق التنافسي، تراجع معدلات الادخار بشكل لافت، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يشكل خطرا على الاستقرار المالي طويل الأمد ويقلص من فرص الاستثمار الحقيقي.
يشار إلى أن أحدث مسح حول الادخار في الأردن، أظهر تراجعا في مستويات ادخار الأردنيين "15 سنة فأكثر"، في الحسابات الرسمية من 9.35 % سجلت في العام 2017 إلى 4.35 %، سجلت في العام 2022، وذلك وفقا لنتائج الدراسة المسحية للاشتمال المالي 2022، الصادرة عن البنك المركزي الأردني.
وفي السياق ذاته، لفت عايش إلى أن هذه الظاهرة تولد ضغوطا نفسية واجتماعية كبيرة، حيث يشعر الأفراد بضرورة الحفاظ على نمط معين من الاستهلاك لمجاراة من حولهم، ما يزيد القلق المالي والتوتر وتدهور جودة الحياة، بل ويرفع مستويات الاضطراب النفسي المرتبط بعدم القدرة على الاستمرار في نمط إنفاق غير واقعي.
وأكد أن من الآثار الاقتصادية السلبية للإنفاق التنافسي، أنه أوجد طلبا مصطنعا على سلع وخدمات مكلفة أو تفاخرية، لا يعكس قدرات شرائح واسعة من المجتمع، ما قد يقود إلى فقاعات استهلاكية وتضخم غير حقيقي في بعض القطاعات، وهو ما يضلل مؤشرات الأداء الاقتصادي.
ودعا عايش، إلى أهمية تبني قيم الاستهلاك المسؤول، عبر تعزيز الوعي المالي ووضع ميزانيات واقعية تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الحاجات والرغبات، والإمكانات والتطلعات، إضافة إلى برامج تثقيف مالي شاملة، تعزز مفاهيم مثل الإنفاق المستدام، الذكاء المالي والتسوق الواعي.