الطاقة.. رحلة ازدهار من الاستيراد إلى الإنتاج والتصدير الإقليمي
الغد- رهام زيدان
شهد قطاع الطاقة في الأردن خلال العقد الأخير تحولا إستراتيجيا غير مسبوق، تمثل في الابتعاد التدريجي عن الاعتماد شبه الكامل على واردات الطاقة، والاتجاه نحو تنمية المصادر المحلية، وفي مقدمتها الطاقة المتجددة، والغاز الطبيعي، والصخر الزيتي.
كما شهدت المملكة تحولات على خريطة الطاقة الإقليمية، وباتت تلعب اليوم دورا مهما على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كحلقة وصل بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
من الاستيراد إلى الإنتاج والتصدير
وقال الخبير والمستثمر في القطاع د.فراس بلاسمة إن قطاع الطاقة شكل على مدى العقود الماضية تحديا إستراتيجيا للأردن، كونه بلدا فقيرا بالموارد التقليدية، ومعتمدا بشكل شبه كلي على استيراد الطاقة من الخارج لتلبية احتياجاته، في وقت يعد فيه الاستقلال في مجال الطاقة أحد أركان السيادة الاقتصادية الحديثة، وقد بدأ الأردن السير في هذا الطريق بثقة وإرادة واضحة.
وأشار إلى أنه حتى عام 2010، كان الأردن يستورد أكثر من 96 % من احتياجاته من الطاقة الأولية، ما شكّل عبئا ثقيلا على الميزانية العامة، وجعل الاقتصاد الأردني هشّا أمام تقلبات الأسواق العالمية والأزمات الإقليمية، لا سيما قطع إمدادات الغاز المصري عام 2011، إذ مثّلت فاتورة الطاقة في بعض الأعوام ما يزيد على 18 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح بلاسمة أن الحكومة الأردنية استجابت لهذه التحديات بإطلاق عدة إستراتيجيات طاقيّة، أبرزها إستراتيجية 2020–2030، التي هدفت إلى رفع مساهمة مصادر الطاقة المحلية من 15 % إلى 48 %، وتوليد 31 % من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030، وتطوير مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى تعزيز مشاريع التخزين والاستجابة للطلب.
كما أجرت الحكومة تعديلات على التشريعات الناظمة للسوق الطاقيّ، من أبرزها قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة رقم 13 لسنة 2012، وقوانين الشراكة مع القطاع الخاص، وفتح سوق إنتاج الكهرباء من خلال صافي القياس وترتيبات عقود الشراء.
وقال بلاسمة إن الأردن أصبح من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح. وبحلول عام 2024، شكّلت الطاقة المتجددة حوالي 29–31 % من إجمالي الكهرباء المولدة. وتم تطوير مشاريع إستراتيجية مثل مجمع معان للطاقة الشمسية، ومحطات الرياح في الطفيلة ومعان، إلى جانب أنظمة طاقة مستقلة للمنازل والمباني الحكومية.
كما تم ربط الشبكة الأردنية بكل من فلسطين ومصر والعراق وسورية، ومع السعودية بمشروع قيد التنفيذ بطاقة مستقبلية تصل إلى 500 ميغاواط. وقد عززت هذه المشاريع من دور الأردن كمركز عبور إقليمي للطاقة، حيث بدأ رسميا تصدير الكهرباء إلى فلسطين والعراق، كما تم توقيع اتفاقيات إقليمية في إطار "مشروع الشام الجديد" لربط شبكات الكهرباء بين الأردن والعراق ومصر. وتسعى المملكة أيضا لأن تكون منصة مستقبلية لتصدير الكهرباء المنتجة من الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا عبر مصر.
تحديات قائمة وآفاق مستقبلية
في المقابل، بين بلاسمة أن كلفة تخزين الطاقة ما تزال مرتفعة، رغم التوجه للاستثمار في البطاريات. كما تواجه الشبكة الكهربائية قيودا تتطلب استثمارات كبيرة لتحديث البنية التحتية، إلى جانب ضغوطات مالية على شركات التوزيع والنقل، خصوصا في ظل التعرفة المدعومة. وتبرز أيضا الحاجة إلى تحسين ثقة المستثمرين بعد محاولات الحكومة السابقة لإعادة التفاوض على أسعار الشراء من مشاريع الطاقة المتجددة.
وأكد بلاسمة أنه رغم التحديات، يمكن القول إن الأردن نجح إلى حد كبير في كسر حلقة الاعتماد المطلق على الاستيراد، وتمكن خلال عقدٍ واحد من التحول من بلد مستورد للطاقة إلى منتج ومصدر فعّال للكهرباء النظيفة. لكنه أشار إلى أن تحقيق الهدف الإستراتيجي الكامل – أي أن يصبح الأردن مركزا إقليميا لتبادل وتصدير الطاقة – يتطلب المزيد من الاستثمار في البنية التحتية الذكية، وتحسين الإطار التنظيمي، وحماية حقوق المستثمرين، بالإضافة إلى تعزيز التكامل الإقليمي مع دول الجوار في مجال السياسات والأسواق.
تحولات إستراتيجية في قطاع الطاقة
في هذا الخصوص، قال مدير مشاريع الطاقة والبيئة في بعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة، عمر أبو عيد، إن الأردن شهد خلال السنوات الماضية، وتحديدا في العقد الأخير، تحولات جوهرية في قطاع الطاقة، تمثلت في الانتقال التدريجي من الاعتماد شبه الكلي على مصادر خارجية إلى التركيز على الموارد المحلية، وفي مقدمتها مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب ترشيد استهلاك الطاقة، والاستفادة من مصادر وطنية إضافية مثل الغاز الطبيعي والصخر الزيتي.
وقد تحقق النجاح الأكبر في هذا الإطار وفقا لأبو عيد من خلال التوسع في مشاريع الطاقة النظيفة، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء منها، إضافة إلى التوسع باستخدام الغاز الطبيعي كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة المعتمدة في الوقت الراهن. وقد قطع الأردن شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، إذ إنه في عام 2014، لم تتجاوز نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة 1 %، بينما وصلت مع نهاية العام الماضي إلى نحو 27 %.
وأشار أبو عيد إلى أنه من المنتظر أن تتواصل هذه النسبة بالارتفاع استنادا إلى الخطط المعلنة في القطاع ورؤية الأردن الاقتصادية للعام 2030 وحتى 2033، حيث تطمح الحكومة إلى أن تصل نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة إلى ما بين 45 %
و50 %، حيث ساهم هذا التوسع في فتح آفاق جديدة لمفاهيم مبتكرة، منها دمج الطاقة في قطاع النقل، إذ نشهد اليوم تحولا لافتا نحو السيارات الكهربائية، مع دراسات قائمة لاستغلال هذه التكنولوجيا في مجالات تخزين الطاقة أيضا.
تكامل قطاعي واسع
من جهة أخرى، قال أبو عيد إن هذا التحول شكل فرصة لتحقيق تكامل فعلي بين قطاعات الطاقة والمياه والغذاء والبيئة، ففي قطاع المياه تحديدا، تنفذ مشاريع كبرى تعتمد على الطاقة المتجددة، مثل مشروع النقل الوطني الذي يتضمن جزءا لا يقل عن 280 ميغاواط من الطاقة الشمسية. أما في الزراعة، فقد أصبح توفير الطاقة عنصرا أساسيا للانتقال من استخدام المضخات التقليدية العاملة على الديزل إلى مضخات صديقة للبيئة، ما ساهم في الاستخدام الأمثل للمياه وتقليل الضخ الجائر.
أما على صعيد العمل المناخي والبيئي، فقد ساهم التوجه نحو الطاقة المتجددة وترشيد الاستهلاك في خفض انبعاثات الكربون بشكل ملموس، ليصبح الأردن في طليعة دول المنطقة في هذا الجانب. وقد نجم عن الاعتماد على المصادر المحلية، لاسيما النظيفة منها، بروز مفاهيم جديدة مثل مشاريع تخزين الطاقة، التي أصبحت من الركائز المستقبلية، خصوصا في ما يتعلق بالطاقة المتجددة، وتحديدا في مشاريع التكامل مع مصادر أخرى.
وبين أبو عيد أنه يجري حاليا العمل على استغلال الموارد المائية في هذا المجال، مثل مشروع تخزين الطاقة في سد وادي الموجب، والذي يعد نموذجا متقدما لتخزين الطاقة الكهرومائية. كما أطلقت وزارة الطاقة مبادرات لتشجيع الاستثمار في مجال بطاريات تخزين الطاقة، بالتوازي مع مراجعة الأطر التشريعية والتنظيمية للقطاع، حيث تم إقرار قانون جديد للكهرباء، ويجري إعداد قانون مخصص للغاز.
وقد بذلت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن بحسب أبو عيد جهودا كبيرة لتطبيق ترتيبات تنظيمية حديثة، من أبرزها تعرفة "وقت الاستخدام" للطاقة الكهربائية، وهي آلية من شأنها تعزيز الكفاءة في الاستهلاك. ويضاف إلى هذه الإنجازات دخول الأردن إلى مجال الهيدروجين الأخضر، وهو من المصادر الواعدة ليس فقط في قطاع الطاقة بل أيضا في صناعات مثل الأسمدة والزراعة، ما يفتح الباب لاستخدام محلي واسع وآفاقا للتصدير.
الهيدروجين الأخضر واستقطاب الاستثمارات
كما تمكن الأردن من استقطاب نحو 15 جهة تدرس فرص الاستثمار في قطاع الهيدروجين، مع التركيز على المناطق الجنوبية القريبة من العقبة، بحكم ارتباطها بمشاريع تحلية المياه وتوليد الكهرباء، لتكون هذه المشاريع رافدا لمشاريع الهيدروجين الأخضر في المستقبل وفقا لأبو عيد
وفي جانب الربط الإقليمي، لعبت التحولات الفنية والسياسية في المنطقة، إلى جانب الموقع الجغرافي والسياسي للأردن، دورا كبيرا في دعم توجهات الربط الكهربائي مع دول الجوار. فالأردن حاليا مرتبط كهربائيا مع مصر وفلسطين والعراق، ومع سورية في المستقبل، ويجري العمل على الربط مع دول الخليج من خلال المملكة العربية السعودية، مع قابلية هذه الشبكات للتوسع، ما يفتح المجال لتبادل الكهرباء والغاز عبر خطوط الربط، خاصة أن الأردن مرتبط بخط الغاز العربي مع مصر وسورية.
دور أوروبي داعم وفاعل
وقد جعلت هذه التحولات الأردن على خريطة الطاقة الإقليمية، وبات يلعب اليوم دورا مهما على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كحلقة وصل بين شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
وقال أبو عيد إن الاتحاد الأوروبي واكب هذه التحولات خلال الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر الماضية، وقدم دعما فاق 160 مليون يورو عبر عدة برامج، لتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة. ويأتي ذلك في إطار الشراكة التي توجت بتوقيع اتفاقية جديدة في يناير 2025، برعاية ملكية في بلجيكا، تحدد ملامح التعاون للفترة من 2025 إلى 2027، مع التركيز على الربط الإقليمي، ومشاريع التخزين، والهيدروجين، والإصلاحات التشريعية والتنظيمية.
ويواصل الاتحاد الأوروبي العمل جنبا إلى جنب مع وزارة الطاقة والشركاء في مراجعة إستراتيجية الطاقة بما ينسجم مع خطة التحفيز الاقتصادي نحو عام 2033، إلى جانب دعم مشاريع كبرى مثل مشروع الناقل الوطني، والربط الإقليمي، وتطوير شبكات الكهرباء، ومشاريع الهيدروجين وتخزين الطاقة بالأجسام المائية، وصولا إلى تحقيق التحول الكامل نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي التزامه بشراكته مع الأردن على مستوى المتوسط من خلال "الاتحاد من أجل المتوسط"، ويواصل المساهمة الفاعلة في دعم هذا التحول النوعي، بما يعزز من مكانة الأردن كدولة محورية في خريطة الطاقة الإقليمية، بحسب أبو عيد.
فرص التوسع والتصدير
وقال عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية، د. أحمد السلايمة، إن الأردن مضى فعليا في إستراتيجية الاعتماد على المصادر المحلية من الطاقة، بما زاد من حصة الطاقة المتجددة، وأدخل الاعتماد على الصخر الزيتي، ما ساهم في تقليل نسب الطاقة المستوردة.
ورأى أن تصدير الطاقة ممكن من خلال تصدير الفائض إلى دول الجوار، وقد تحقق ذلك بالفعل من خلال تصدير الكهرباء كمنتج نهائي، مع إمكانية التوسع مستقبلا في تصدير الهيدروجين الأخضر، في حين لا تزال المملكة بعيدة عن تصدير المواد الخام. وأكد أن الجهود متواصلة على المستوى المحلي للتنقيب عن الموارد، وأن الموقع الإستراتيجي للأردن يتيح له أن يكون مركزا مهما للربط الكهربائي العربي، وتصدير الهيدروجين إلى عدة وجهات عالمية.