أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Nov-2025

اقتصاد الشرق الاوسط يتقدم «ونصفه متروك خلفه»!*د. رعد محمود التل

 الراي 

يشير أحدث تقرير اقتصادي صادر عن البنك الدولي حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى تحسن في آفاق النمو الاقتصادي خلال العامين القادمين، رغم حالة عدم اليقين العالمي الناتجة عن التحولات التجارية واستمرار النزاعات وارتفاع تكاليف التمويل. ووفقًا للتقرير، من المتوقع أن يسجل متوسط النمو في المنطقة نحو 2.8 في المائة في عام 2025، وأن يرتفع إلى 3.3 في المائة في عام 2026. ويعكس هذا الاتجاه تحسن أداء عدد من الاقتصادات الإقليمية، إلى جانب استمرار عوامل سياسية وأمنية واقتصادية تحد من سرعة التعافي في بعض البلدان.
 
هذا التحسن لا يحدث في سياق اقتصادي معتاد. المنطقة تواجه بيئة دولية مضطربة بفعل تباطؤ التجارة العالمية، وتغير خريطة سلاسل الإمداد، وتصاعد التوترات الجيوسياسية في أكثر من اتجاه. كما تواجه تكلفة تمويل مرتفعة نتيجة تشدد السياسات النقدية في الاقتصاديات الكبرى. في مثل هذا السياق، فإن تسجيل معدلات نمو إيجابية في أغلب دول المنطقة يعد مؤشرًا مهمًا على قدرة الاقتصاد الإقليمي على التكيف مع التحولات المستمرة.
 
بيانات البنك الدولي تشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تقود وتيرة التحسن الاقتصادي. فهذه الدول تستفيد من النهج التدريجي في تقليص تخفيضات إنتاج النفط، وهو ما يسمح بعودة تدريجية للإنتاج دون الإضرار باستقرار الأسعار العالمية. وعلى الجانب الآخر، تواصل القطاعات غير النفطية تحقيق معدلات نمو ملحوظة، متأثرة ببرامج تنويع اقتصادي واسعة تمتد عبر قطاعات التجارة والصناعة والخدمات اللوجستية والسياحة. هذا التوازن بين قطاع النفط والقطاعات البديلة يقلل من حساسية الاقتصادات الخليجية تجاه تقلبات أسعار الطاقة، ويعزز قدرة المالية العامة على الاستثمار في مشاريع تحول اقتصادي طويلة الأجل.
 
أما الدول المستوردة للنفط، فيتوقع التقرير تسجيل تحسن في الأداء الاقتصادي مدفوعًا بإعادة تنشيط الإنفاق الحكومي وزيادة الاستثمارات الخاصة. ويُعد القطاعان الزراعي والسياحي من أبرز المحركات الداعمة للنمو في هذه المجموعة، خصوصًا في دول شمال أفريقيا التي استفادت خلال العامين الماضيين من تعافي الإنتاج الزراعي بعد موجات جفاف، وتحسن تدفقات السياحة بعد انحسار آثار جائحة كورونا. وتنعكس هذه التطورات بشكل مباشر على سوق العمل ومستويات الدخل، وإن ظلّ التحسن متفاوتًا بين دولة وأخرى.
 
في المقابل، تواجه البلدان النامية المصدرة للنفط في المنطقة ضغوطًا أكبر. فاستمرار النزاعات الداخلية والإقليمية، وتراجع إنتاج النفط في بعض الدول، يقيدان قدرة هذه الاقتصادات على الاستفادة من أي تحسن في حركة التجارة أو أسعار الطاقة. كما يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى تراجع الاستثمارات وتآكل الثقة في المستقبل الاقتصادي، وهو ما ينعكس على معدلات الإنتاج والإيرادات الحكومية وفرص التشغيل.
 
التقرير، الصادر تحت عنوان «العمل والنساء: المواهب غير المستغلة والنمو غير المحقق»، يلفت الانتباه إلى عنصر آخر بالغ الأهمية في مستقبل الاقتصاد الإقليمي، وهو ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل. ورغم التقدم الكبير الذي حققته النساء في التعليم واكتساب المهارات خلال العقود الماضية، إلا أن البيانات تشير إلى أن واحدة فقط من كل خمس نساء في المنطقة تشارك فعليًا في القوى العاملة. هذا المعدل هو الأدنى عالميًا، ويكشف عن فجوة كبيرة بين الإمكانات المتاحة والواقع الحالي.
 
ويؤكد البنك الدولي أن تحسين مشاركة المرأة في سوق العمل قد يحقق مكاسب اقتصادية ضخمة. فوفق تقديرات التقرير، فإن إزالة القيود الاجتماعية والقانونية والمؤسسية التي تعيق دخول المرأة إلى سوق العمل قد ترفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المائة في اقتصادات مثل الأردن ومصر وباكستان. هذه الأرقام تعني أن النمو في المنطقة لا يرتبط فقط بالمشاريع والاستثمارات النفطية وغير النفطية، بل أيضًا بمدى قدرة الاقتصادات على توسيع قاعدة المساهمين في النشاط الاقتصادي.
 
ويشير التقرير إلى أن المنطقة تمتلك فرصة نادرة للاستفادة من موارد بشرية عالية التعليم وغير مستغلة بالكامل. فوجود قطاع خاص أكثر ديناميكية، قادر على توليد فرص عمل، وتحديث التشريعات، وتطوير بيئة الأعمال، سيكون خطوة أساسية نحو إطلاق إمكانات المرأة ومن ثم تعزيز النمو الحقيقي. وفي عالم يشهد منافسة اقتصادية متصاعدة، فإن أي اقتصاد يعطل نصف طاقته البشرية سيجد نفسه أقل قدرة على النمو والمنافسة. يظهر أن مستقبل اقتصاد المنطقة لا يعتمد فقط على استقرار أسعار النفط أو تدفقات الاستثمار، بل أيضًا على مدى قدرة دولها على إزالة العوائق البنيوية التي تعرقل مشاركة المرأة وتحول دون تحقيق نمو شامل ومستدام.