زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية.. وعي بحجم الضغوط المعيشية
الحكومة ترفع المخصصات إلى 765 مليونا للتخفيف من الفقر
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في الوقت الذي رفعت به الحكومة مخصصات الحماية الاجتماعية المختلفة في مشروع قانون الموازنة العام للعام 2026 بنسبة لافتة بلغت 16 %، لتصل إلى نحو 765 مليون دينار، والتي تشتمل على أشكال متنوعة من الدعم ومنها دعم الخبز وأسطوانة الغاز، والمعونة النقدية، ودعم طلبة الجامعات، والتأمين ضد السرطان وغيرها، تبرز تسأولات حول أثرها في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهل هذه الزيادة تكفي لتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية محليا؟.
اقتصاديون أشادوا بزيادة الحكومة مخصصات الإنفاق على برامج الدعم الاجتماعي في الموازنة العامة للعام 2026، معتبرين أن هذه الخطوة تعكس وعي الحكومة بحجم الضغوط المعيشية التي تواجهها الأسر الأردنية، خصوصا الفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، كما تؤكد التزامها بتحقيق شبكة أمان اجتماعي أكثر قوة، في وقت تتعاظم فيه التحديات الاقتصادية المحلية والإقليمية، مشيرين أن تأثير هذه المخصصات يظهر مباشرة في التخفيف من الفقر وحماية الأسر الهشة اقتصاديا.
ويرى الخبراء أن رفع مخصصات دعم الطلاب الجامعيين، إضافة إلى برامج التأمين ضد مرض السرطان، يمثل استجابة مباشرة للحاجات الأكثر إلحاحا في المجتمع، لا سيما وأن غالبية المستفيدين من هذه البرامج ينتمون إلى الفئات الاجتماعية الأكثر تأثرا بالضغوط الاقتصادية.
كما يسهم دعم السلع الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية في تخفيف حدة الفقر وتحسين مستوى المعيشة للأسر الأكثر هشاشة، ويحد من انتقال ارتفاع الأسعار إلى السلة الغذائية الأساسية للمواطنين، بما يعكس أثرا ملموسا على الاستقرار الاجتماعي.
وشدد هؤلاء على أن مخصصات الدعم الاجتماعي ستساهم في تخفيف التفاوت الاجتماعي الذي تعمق في السنوات الاخيرة نتيجة السياسات التقشفية للحكومتين السابقتين خلال جائحة كورونا والمد التضخمي العالمي، حيث كان لتلك السياسات تداعيات على الاقتصاد الوطني والمستوى المعيشي للمواطنين.
ومع ذلك، يؤكد بعض الخبراء أن مخصصات الدعم وحدها لا تكفي لتحقيق حماية اجتماعية مستدامة. فمعدل النمو الاقتصادي الحالي، رغم كونه إيجابيا نسبيا، إلا انه لا يتيح خلق فرص عمل كافية، ولا يقلل الفقر بشكل ملموس، خصوصا في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء عالميا، وارتفاع معدلات البطالة. ولذلك، يرون أن الانتقال من الدعم الاستهلاكي إلى الإنفاق الاستثماري الرشيد، عبر تمويل مشاريع استراتيجية مدروسة، سيحقق عوائد اقتصادية واجتماعية أكبر، ويعزز قدرة الأسر على الاعتماد على نفسها، ما يجعل الحماية الاجتماعية استثمارا حقيقيا في تحسين الظروف المعيشية.
16 % يادة مخصصات الحماية الاجتماعية
وتظهر بيانات مشروع الموازنة العامة لعام 2026 أن حجم الدعم المباشر الموجه لبرامج الحماية الاجتماعية المختلفة (دعم صندوق المعونة الوطنية، دعم الخبز والسلع، وأسطوانة الغاز، والتأمين ضد السرطان، وصندوق دعم الطالب وغيرها) ارتفع من 658 مليون دينار في 2025 إلى 765 مليون دينار في تقديرات موازنة 2026، بارتفاع ناهزت نسبته 16 %.
وجاءت أشكال الدعم الاجتماعي ومخصصاته في الموازنة العامة لعام 2026 على النحو التالي، تخصيص ما قيمته 280 مليونا لصندوق المعونة الوطنية، إضافة إلى تخصيص مبلغ 171 مليونا لدعم بند السلع التموينية (الخبز والقمح والإعلاف )، إلى جانب 80 مليونا خصصت لدعم أسطوانة الغاز المنزلي.
كما خصصت الموازنة العامة لعام 2026، ما قيمته 124 مليونا لدعم برنامج التأمين ضد مرض السرطان، إضافة إلى تخصيص مبلغ 80 مليونا لدعم الجامعة، إلى جانب تحديد مخصصات بقيمة 35 مليونا لصندوق دعم الطالب الجامعي.
خطوة في الاتجاه الصحيح
واعتبر مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض أن زيادة الحكومة مخصصات الإنفاق على برامج الدعم الاجتماعي خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي محليا، إضافة إلى تحسين المستوى المعيشي للأسر خاصة المعوزة.
وأكد عوض أن زيادة مخصصات الدعم الاجتماعي، ستساهم في تخفيف التفاوت الاجتماعي الذي تعمق في السنوات الاخيرة نتيجة السياسات التقشفية للحكومتين الاخيرتين خلال جائحة كورونا والمد التضخمي العالمي، حيث كان لتلك السياسات تداعيات على الاقتصاد الوطني والمستوى المعيشي للمواطنين.
وأوضح عوض أن زيادة مخصصات دعم الطالب الجامعي، إضافة إلى مخصصات برنامج التأمين ضد مرض السرطان، توجه إيجابي يستجيب للحاجات الملحة الأبرز بالنسبة للمجتمع الأردني، حيث عادة من يلجأ للاستفادة من دعم الجامعي للطلبة أو من يبحثون عن اعفاء طبي، يكونوا من الفئات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
ويذكر أن نسب الفقر في الأردن، لم تحدث منذ أكثر من 7 سنوات، إذ تم تأجيل كشفها أكثر من مرة خلال الأعوام الأخيرة، وكان من المقرر الكشف عنها خلال عام 2024 إلا أنه تم تأجيلها انذاك، غير أنه بحسب آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة الذي صدر عن دائرة الإحصاءات العامة وتم تنفيذه في العام 2017 - 2018، أفاد أن معدلات الفقر على مستوى المملكة تقدر بـ15.7 %.
غير أن نائب رئيس الوزراء للشوؤن الاقتصادية الأسبق ناصر الشريدة كشف في تصريحات صحفية سابقة إبان جائحة كورونا خلال عام 2021 عن ارتفاع نسبة الفقر في الأردن إلى 24 % "محليا"، على حد تقديره آنذاك.
وشدد عوض على أن الحاجة ما زالت ملحة ايضا إلى زيادة حجم الإنفاق على الحماية الاجتماعية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعمقت خلال السنوات الأخيرة تحت تأثير جائحة كورونا وأزمة التضخم في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة والذي استمر لعامين كاملين.
ودعا إلى ضرورة زيادة كفاءة الإنفاق، إضافة إلى التوسع في دعم قطاعي الصحة والتعليم، الذين يعدان حجر الزواية الرئيسي لتحقيق الحماية الاجتماعية، حيث أن توفير التعليم والصحة للأسر ذات الدخل المتدني، ينعكس إيجابا على أفرادها وتطور المستوى المعيشي لهما من خلال الفرص المستقبلية التي يتحيها التعليم للإبناء في الحصول على دخل جيد و واقع معيشي أفضل وهو ما يعود بالنفع على هذه الأسر وينقلها أحيانا إلى مستوى اجتماعي واقتصادي أفضل.
وعي حكومي بالمرحلة الاقتصادية
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن مخصصات الحماية الاجتماعية في موازنة 2026، التي تصل إلى نحو 6% من إجمالي الإنفاق العام، تعد خطوة إيجابية وضرورية تعكس وعي الحكومة بالمرحلة الاقتصادية، موضحا أن الموازنة العامة للأركان الحماية الاجتماعية تعكس إدراكا حكوميا للضغوط المعيشية المتصاعدة، وأهمية توسيع شبكة الأمان الاجتماعي.
واوضح عايش أن مخصصات الحماية الاجتماعية في الأردن، رغم وضوح عناوينها، ما تزال قائمة على أساس التحصيص، بمعنى أن من يستفيد منها هو من يكون معرضا للنتائج المترتبة على هذه العناوين.
وبين أن بعض المخصصات تأخذ شكلا عاما، مثل دعم أسطوانات الغاز أو دعم الخبز، لكنها في جميع الأحوال قطاعية، وتستهدف الفئات التي تعتبرها الحكومة الأكثر أولوية وأشد تأثرا بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وربما الأقل قدرة على مواجهة التحديات، خصوصا الحالات التي تتطلب تكاليف عالية، مثل علاج السرطان.
يشار إلى أن عدد الأسر المستفيدة من برامج التحويلات النقدية التي ينفذها صندوق المعونة الوطنية خلال عام 2024، بلغ نحو 235 أسرة فقيرة تشمل أكثر من مليون فرد، طبقا للبيانات للتقرير السنوي للصندوق.
وأشار عايش إلى أن تأثير هذه المخصصات يظهر مباشرة في التخفيف من الفقر وحماية الأسر الأكثر تضررا من موجات الغلاء، مؤكدا أن دعم الخبز والغاز يحد من انتقال ارتفاع الأسعار إلى السلة الغذائية الأساسية للمستهلكين، ويساهم في كبح معدلات التضخم.
كما أوضح أن دعم الجامعات والإقراض التعليمي يعزز العدالة الاجتماعية ويحافظ على استمرارية التعليم للطبقات المتوسطة والفقراء، في حين أن التأمين ضد السرطان خطوة نوعية للحد من العبء المالي على الأسر
وأكد أن حماية القطاعات الإنتاجية، مثل دعم الأعلاف، ضرورية لضمان استقرار أسعار المنتجات الحيوانية ومنع انتقال تكاليف الإنتاج إلى المستهلكين، موضحا أن هذا الدعم يتيح للمستفيدين إنفاقا إضافيا على احتياجات أخرى، ما يعزز النشاط الاقتصادي ويساهم في استدامة نمو القطاعات المختلفة.
ولفت عايش إلى أن دعم السلع الأساسية يظل ضروريا، لكنه يحتاج إلى حماية من التسرب ورقابة على سلاسل التوريد، مع تحليل دوري لقياس الكفاءة والعائد من هذا الدعم. كما شدد على أهمية الاستثمار في الخدمات الصحية والتعليمية، موضحا أن ارتفاع جودة الخدمات العامة يقلل الحاجة إلى الدعم النقدي، ويعزز مستوى الحماية الاجتماعية بشكل طبيعي.
ورغم ذلك، أشار عايش إلى أن هذه المخصصات وحدها غير كافية، موضحا أن معدل النمو الاقتصادي الحالي، بين2.7 و 2.9 %، لا يخلق فرص عمل كافية ولا يقلل الفقر بشكل ملموس، خصوصا مع ارتفاع كلف الطاقة والغذاء عالميا وارتفاع معدلات البطالة.
وأكد أن الكفاية ليست في حجم الإنفاق فقط، بل في نوعيته ودقته وقدرته على الوصول للفئات المستحقة دون تسرب أو هدر، مشددا على ضرورة رفع معدلات الدخل، وتوفير فرص عمل أكبر، وتنفيذ مشاريع اقتصادية متنوعة في مختلف المناطق، بحيث تتحرر الأسر من الاعتماد على المساعدات عبر فرص عمل ومشاريع إنتاجية، ما يجعل الإنفاق على الحماية الاجتماعية استثمارا إيجابيا في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر أن الانتقال من الدعم الشامل إلى الدعم الموجه ضرورة حتمية، موضحا أهمية دمج قواعد البيانات بين الوزارات لضمان دقة تحديد المستفيدين وتقليل الازدواجية والهدر، بالإضافة إلى تطوير أدوات تمكينية مثل التدريب المهني ودعم المشاريع الصغيرة، لترفع قدرة الأسر على الخروج من دائرة الفقر بدلا من البقاء فيها.
الإنفاق الاستثماري ضرورة اقتصادية
واتفق الخبير الاقتصادي قاسم الحموري مع سابقيه بأن مخصصات الحماية الاجتماعية، خطوة جيدة وضرورية إلا أن له وجهة نظر مغايرة نحو ماهية وفلسفة الدعم الاجتماعي، حيث يرى أن استمرار سياسة الدعم في الظروف الاقتصادية الحالية لا تؤدي دائما إلى تحقيق أهدافها.
وأوضح الحموري أن ما ينفق سنويا على الدعم، لو استثمر بطريقة مدروسة في مشاريع اقتصادية استراتيجية، مثل الناقل الوطني وسكة الحديد والتنقيب عن الغاز والنفط، لكان له أثر أكبر بكثير على الفئات المستهدفة من الفقر.
وبين الحموري "نحن بحاجة إلى تغيير فلسفة الإنفاق، من الدعم الاستهلاكي إلى الإنفاق الاستثماري الرشيد الذي يخلق نموا اقتصاديا مستداما وفرص عمل حقيقية، ويعزز قدرة الأسر والفئات الهشة اقتصاديا على الاعتماد على نفسها".
وأكد أن تحويل جزء كبير من مخصصات الدعم إلى تمويل مشاريع استراتيجية مدروسة سيحدث مضاعفات اقتصادية أكبر، ويعزز التنمية الشاملة في القطاعات الإنتاجية والخدماتية، بما يحقق حماية اجتماعية غير مباشرة أكثر فعالية من الدعم الحالي، ويحول الموارد من استهلاك قصير الأمد إلى استثمار طويل الأمد يعود بالنفع على المجتمع بأسره.