أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    13-Nov-2025

هل حان وقت إصلاح سياسة دعم الأعلاف لحماية الثروة الحيوانية والمواطن والمربين؟

 الغد-عبد الله الربيحات

أكد خبراء في الزراعة، أن إصلاح سياسة دعم الأعلاف (شعير وبرسيم وتبن وقش وسيلاج ذرة علفية)، ضرورة وطنية ملحة، تحتاج لقرار يعيد التوازن لحماية مربي الأبقار وضبط الإنفاق العام، ومنح الأسر المربية للثروة الحيوانية حقها في استمرار عملها. 
 
 
وبينوا أن الحل الأمثل لا يكمن بترقيم الثروة الحيوانية لضبط أي تلاعب بحصص مربي الأبقار من الأعلاف، بل بأن يدفعوا فرق سعر الشعير والنخالة للحكومة، وأن تُباع لهم كما تُباع لمربي الأغنام.
وأكدوا أن هذا الإجراء، سيحقق عائداً مالياً للدولة، ويحد من التلاعب بالحصص، ويجنب موظفي وزارات الصناعة والتجارة والزراعة، شبهات الملاحقات والتقارير، ويخفض التكاليف الباهظة عن كاهل وزارة الزراعة خلال حملات الترقيم.
سؤال سياسي واجتماعي
الخبير الدولي بالأمن الغذائي د. فاضل الزعبي، قال إن قضية دعم الأعلاف، لم تعد مجرد ملف اقتصادي تقني، بل تحولت إلى سؤال سياسي واجتماعي ملحّ، يطرق أبواب العدالة والإنصاف.
وأضاف الزعبي، أن هذه القضية التي تقتصر على مادتي الشعير والنخالة، وتوجَّه حصراً لمربي الأغنام، خلقت فجوة كبيرة بين قطاعات الثروة الحيوانية، وتركت مربي الأبقار والخيول خارج دائرة الاهتمام، برغم أنهم أيضاً يعتمدون على الأعلاف نفسها.
وتساءل حول الكيفية التي يمكن فيها حماية من يربون الأبقار بالريف والبادية بأعداد صغيرة، في ظل تراجع الأعداد الصغيرة لما يربونه، بل إن بعضها بدأ يختفي تدريجياً جراء حرمان هذه الشريحة من المربين من الدعم.
وبين الزعبي أن السياسة الحالية في التعامل مع المربين، تبدو وكأنها تنظر بعين واحدة إليهم، فتحمي مربي الأغنام وتترك بقية المربين في مواجهة تقلبات الأسعار في السوق وحدهم، لكن النتيجة تفيد بوقوع تشوه في بنية الإنتاج، وإضعاف للتنوع، وتراجع إنتاج الحليب الذي يشكل ركناً أساسياً من أمننا الغذائي. فهل من المقبول استمرار هذا الخلل، بينما نتحدث عن العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية؟
وأشار الزعبي إلى أن ذلك كله، لا يقف عند حدود التمييز بين القطاعات، بل يتعداه جراء اختلالات خطرة، تتبدى في حيازات لقطعان وهمية، يجري تسجيلها، لنيل حصص مدعومة من الأعلاف، دون وجود قطعان حقيقية، ما يدفع لاستنزاف فاتورة الدعم للموازنة العامة، ولاستفادة كبار الملاك أكثر من الفئات المستحقة، وهو ما يدعو للتساؤل: أين الرقابة؟ وأين العدالة في توزيع الموارد؟ وهل يمكن مواصلة إنفاق الملايين على سياسة لا تحقق أهدافها إلا جزئياً؟
وقال إن السؤال الذي يجب أن يواجهه صناع القرار حاليا هو: هل نبقي على هذه السياسة كما هي، أم نعيد هيكلتها فوراً؟ وإذا ما جرى إلغاؤها على نحو مفاجئ، سنجد أن الإلغاء سيضر بالمربين الصغار، ويرفع أسعار اللحوم والألبان، وكذلك فإن الاستمرار على ما هي عليه الأمور حاليا، يفاقم العجز المالي ويضعف فرص تطوير قطاع تربية الثروة الحيوانية. 
ولفت الزعبي إلى أن الحل ليس في التردد، بل في الجرأة على الإصلاح، وإعادة توجيه الدعم ليكون مرتبطاً بالإنتاج الفعلي من الحليب أو اللحوم، أو تحويله إلى دعم نقدي مباشر مع رقابة صارمة، وتشجيع زراعة الأعلاف محلياً، وتطبيق نظام ترقيم إلكتروني يقطع الطريق على التلاعب والهدر.
وشدد على أن إصلاح سياسة دعم الأعلاف، باتت ضرورة وطنية ملحة، والمطلوب قرار يوازن بين حماية المربين وضبط الإنفاق العام، ومنح الأسر التي تقوم بتربية المواشي، الحق في الاستمرار بعملها، والمساهمة بالمشاركة في تعزيز الأمن الغذائي. فهل نملك الإرادة لننتقل من سياسة مكلفة ومشوهة إلى سياسة ذكية وعادلة؟ أم سنبقى ندور في حلقة مفرغة، تثقل كاهل الدولة وتضعف مستقبل القطاع؟
حماية مربي المواشي
وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري، بين أن دعم الأعلاف في الأردن، يتبلور في كونه وسيلة لحماية مربي الأغنام "العواسي" والماعز من ارتفاع أكلافها، إذ إننا نستورد أكثر من 95 % من أعلاف الثروة الحيوانية، وهذا بدوره من أسباب ارتفاع أكلاف تربية المواشي، مقارنة بدول في الجوار والإقليم كسورية والعراق وتركيا، ومع أن لديها أصنافا مشابهة لما عندنا من المواشي، وأكلاف تربيتها أقل مما هي عليه في الأردن، لوجود مراع طبيعية، تقلل من نسب الاعتماد على الأعلاف المستوردة عندهم.
ولفت المصري، إلى أن احتياجات المواشي من الأعلاف وغيرها من المواد المالئة، يستوجب إعداد خلطات علفية، لتحقيق تغذية سليمة للمواشي لزيادة وزنها، مضيفا أن منظومة الدعم من وزارة الصناعة بالتنسيق مع وزارة الزراعة، تخصص 40 كلغم من الشعير لكل رأس غنم أو معز شهريا يتراوح وزنه بين 30 و45 كلغم قائم، وبسعر اقل من الأسعار العالمية، بمعنى أن الحصة اليومية لرأس المواشي 1.34 كغم يوميا، علما بأن الاستهلاك اليومي لهذا النوع من المواشي هو 1.5- 2 كغم، أي أن الوزارة افترضت بأن نسبة الشعير من الخلطة العلفية تتراوح بين 67 و90 % (معدل 78.5 %)، وهذا غير متبع عند معظم مربي الأغنام في الأردن والمنطقة، مشير إلى أنه في حالة المبالغة بتعليف الشعير بهذه النسب العالية لمدد طويلة، يمكن أن يسبب للحيوانات سوء تغذية ومشاكل صحية، ويتسبب برداءة نوعية الصوف وغيرها.
ولفت إلى أن مربي المواشي في الأردن، يستخدمون كامل كميات الشعير التي يستلمونها، بافتراض أن تعداد مواشيهم التي أقرتها وزارة الزراعة صحيحة فعلا، في ظل غياب التعريف بمن هو مربي الماشية، موضحا إلى أن هناك كثيرا من قصص التحايل التي يلجأ إليها مربو مواش لأخذ حصص لا يستحقونها، لذلك يلجأ معظمهم لبيع الشعير المدعوم في السوق، لعدم الحاجة إليه، إذ لوحظ أن سعر الشراء الحالي للشعير المدعوم 173 دينارا/ طن، والسعر الحر المعروض من "الزراعة" يتجاوز الـ300/ طن، وغالبا ما يتراوح سعر البيع في السوق السوداء بين 173 و300 دينار/ طن) وكان سعر الطن في السوق 250 دينارا، ويباع بدون فواتير ضريبية.
واكد المصري أن دعم الشعير ينتهي لغير مستحقيه، ويخلق سوقا سوداء، جراء تعليمات وضعت دون دراسة معمقة لها، وفرضيات غير دقيقة لحصص الشعير المباع بأسعار مخفضة لدعم المربين، ولغاية الآن فإن تتبع الخروقات والمخالفات للمربين ليست سهلة أبدا. كما أن الوزارة كلفت دائرة الجمارك باستيفاء بدل دعم أعلاف الأغنام البلدية "العواسي" التي تصدرها لدول الخليج بواقع 1500 دينار عن حمولة كل شاحنة تصدير.
واقترح المصري، خفض حصص الشعير لإجبار المربين على استخدامها حرة أو ضمن خلطات، أو إلغاء الدعم واستبداله، إما بإعفاءات جمركية أو ضريبية، وحال تعذر ذلك يستعاض عنه بتعويضات نقدية مباشرة، على أن تسترد قيمة الدعم النقدي عند التصدير.
كما اقترح، إلغاء التعليمات التي تستوفي بدل دعم الأعلاف، في حالة الشركات المستوردة للمواشي الحية، والاستعاضة عنها ببيع "الزراعة" الشعير لتلك الشركات بالسعر الحر، وحال تعذر ذلك، فتح باب استيراد الشعير عن طريق القطاع الخاص.
مصدر مطلع، فضل عدم الكشف عن اسمه، كشف لـ"الغد" أن وزارة الصناعة تستوفي على البيانات الجمركية الواردة من شركات مستوردة للمواشي الحية، بدل دعم أعلاف تحتسب على أساس الاستهلاك الشهري للشعير بواقع 40 كغم للأغنام و165 كغم للعجول أو الإبل المستوردة، وغالبا ما تقوم كثير من هذه الشركات، بتسديد مبالغ بدل دعم أعلاف للوزارة، ولا تستلم ما يقابله من كوبونات شراء الشعير كونهم لا يريدون التورط بالتصرف بالشعير المدعوم، لذلك يقومون بتحميل ما دفعوه للوزارة على أسعار بيع اللحوم للمستهلك.
وقال المصدر إن الوزارة تتقاضى مبالغ بدل دعم أعلاف من الشركات التي تمتنع عن شراء الشعير المدعوم من الوزارة، لعدم الحاجة، ولتفادي التصرف بها بما يخالف التعليمات، في حين أن هذه الشركات تشتري احتياجاتها للخلطات العلفية والبرسيم أو التبن من الأسواق المحلية مباشرة ويفترض أن يكون هذا الشراء بفواتير ضريبية أصولية، ما يعني بأن الوزارة تتقاضى مبالغ دون مقابل، وهنا يتساءل المعنيون، ما هي مبررات إقرار التعليمات التي تمنح الوزارة استيفاء مثل هذه المبالغ؟
حملات الترقيم 
نقيب المهندسين الزراعيين علي أبو نقطة، أكد أن دعم الأعلاف يقتصر على الشعير والنخالة، ويوجه حصرا لمربي الأغنام، باعتبارهم من الفئات محدودة الدخل والتي تعتمد على هذه المهنة. 
وأوضح أبو نقطة، أن هذا الدعم لا يشمل مربي الأبقار أو الخيول، برغم أنهم أيضاً يستهلكون الشعير والنخالة، مشيراً إلى أن هناك عدداً كبيراً من الأسر تمتلك أبقاراً بأعداد صغيرة، تتراوح بين 1 و5 رؤوس، وهي شريحة بدأت بالتناقص نتيجة اقتصار الدعم على مربي الأغنام دون غيرهم.
وأضاف أبو نقطة "عندما نتحدث عن دعم مربي الأغنام بالشعير والنخالة واستثناء مربي الأبقار من هذا الدعم، فإننا نقول إن أي دعم يُقدَّم لأي سلعة في أي مكان بالعالم، يفتح الباب للفساد، ويتيح المجال لاستفادة أطراف خارج الفئة المستهدفة. لهذا السبب، تنفق الحكومة الأموال سنوياً على حملات الترقيم".
وبيّن أن مشروع الترقيم الذي تأسس قبل نحو عقدين، لم يكن في الأصل وسيلة لضبط الحيازات الوهمية أو إيصال الدعم للمستحقين، بل جاء لمتابعة الحالة الصحية للقطعان، ورصد المواليد والأمراض والإنتاج. لكنه استُغل لاحقاً لأغراض الدعم، ما فتح المجال للتحايل بطرق متعددة عبر الأرقام.
وأشار أبو نقطة، إلى أن بيانات وزارة الصناعة، تؤكد أن مربي الأبقار يستهلكون أكثر من 20 % من كميات الأعلاف، في حين لا تظهر أي مبيعات بالسعر الحر، ما يدل على أن مربي الأبقار يشترون الشعير والنخالة من مربي الأغنام. فمن أين يحصل مربي الأغنام على هذه الكميات الزائدة؟.
وأوضح أن هناك أعداداً من مربي الأغنام يمتلكون دفاتر تحصين يحصلون بموجبها على الأعلاف، برغم أنهم لا يملكون أغناماً فعلياً، فيما يمتلك آخرون دفاتر تتضمن أعداداً أكبر بكثير من حجم قطعانهم الحقيقية. كما أن مربين لديهم أغنام لا يشترون كامل الكميات المخصصة، إذ تعتمد معظم الأغنام على الرعي، ما يتيح لهم بيع الفائض لمربي الأبقار بأسعار تتراوح بين 35 و40 ديناراً، بالإضافة للسعر المدعوم الذي تحدده وزارة الصناعة.
وأضاف أن هذه الطريقة أدت لزيادة التنافس على دفاتر التحصين والحيازات الوهمية، لتحقيق أرباح غير مشروعة، ما يحرم المربي الحقيقي من نيل حصته المقررة من الأعلاف، مقترحا أن الحل الأمثل لا يكمن بالترقيم، بل بأن يدفع مربي الأبقار فرق سعر الشعير للحكومة، ليُباع لهم الشعير والنخالة كما يُباع لمربي الأغنام. 
وأكد أن هذا الإجراء سيحقق عائداً مالياً كبيراً للدولة، ويحد من الفساد، ويجنب موظفي وزارات الصناعة والتجارة والزراعة شبهات الملاحقات والتقارير، فضلاً عن تقليل التكاليف الباهظة التي تتحملها وزارة الزراعة في حملات الترقيم المستمرة منذ سنوات.