"موازنة الزراعة".. هل تكفي لتحسين واقع القطاع؟
الغد-عبدالله الربيحات
كشفت موازنة وزارة الزراعة لعام 2026 ارتفاعًا بمقدار 1.900 مليون دينار عن المُعاد تقديرها للعام الحالي.
وتباينت آراء خبراء حول هذه الموازنة، فمنهم من يرى أنها تعكس رغبة الحكومة بتعزيز الاستثمار في البنية التحتية الزراعية، والتحريج، ومراكز التدريب، بما يرسخ أسس الاستدامة في مواجهة تحديات المناخ وتراجع الموارد الطبيعية.
والرأي الآخر يرى أنها بحاجة إلى مواجهة الواقع الصعب؛ فالمطلوب ليس زيادة طفيفة في الأرقام، بل ثورة في إدارة الموارد وشفافية في الإنفاق.
إلى ذلك، أظهر مجموع النفقات "الجارية + الرأسمالية" أن موازنة وزارة الزراعة ارتفعت من 90.100 مليون دينار في المُعاد تقديره لعام 2025 إلى 92.000 مليون دينار في المُقدَّر لعام 2026 – أي بارتفاع قدره 1.900 مليون دينار أو ما يقارب 2.11 %.
كما ارتفعت النفقات الجارية من 57.004 مليون دينار (المُعاد تقديره 2025) إلى 57.809 مليون دينار (المُقدَّر 2026)، بزيادة 805 آلاف دينار أو ما يقارب 1.41 %.
ويعكس هذا الارتفاع أساسًا ارتفاعات في تعويضات العاملين والرواتب والعلاوات، كما ورد في ملاحظات الفروقات بالجدول.
كما ارتفعت النفقات الرأسمالية من 33.096 مليون دينار إلى 34.191 مليون دينار، بزيادة 1.095 مليون دينار أو ما يقارب 3.31 %، وتُعزى هذه الزيادة لتوسيع وتمويل مشاريع رأسمالية جديدة أو متواصلة في القطاع الزراعي (مشاريع بنية تحتية زراعية، مراكز تدريب، مشاريع تحريج، تحديث مشاغل، إلخ).
والزيادة الإجمالية 1.9 مليون دينار توضح توجهًا نحو تعزيز الاستثمار بمشاريع بنيوية زراعية، إلى جانب تعديل في مخصصات التشغيل والأجور، أما الارتفاع في البنود الرأسمالية فأكبر نسبيًا، ما يشير إلى تركيز ملموس على مشاريع تطويرية في 2026.
وتضع موازنة الوزارة، خريطة واضحة لأولويات القطاع الزراعي بالأردن خلال السنوات المقبلة، في ظل تحديات المناخ، تراجع الموارد الطبيعية، والحاجة المتزايدة لتعزيز الأمن الغذائي ورفع كفاءة الإنتاج، وتكشف الوثيقة المالية عن توجه استراتيجي نحو تحديث البنية التحتية الزراعية، ورفع كفاءة الخدمات الحكومية، وتوسيع المشاريع التنموية التي تستهدف المزارعين والأسر الريفية.
ويتصدر تطوير بيئة الأعمال الزراعية قائمة الأولويات، حيث تسعى الوزارة لتحديث الخدمات الحكومية، وتعزيز الرقمنة، ورفع كفاءة الموظفين، وتشمل تحويل 100 خدمة زراعية إلى خدمات رقمية، وإنشاء نظام وطني لتتبع المنتجات الزراعية من المزرعة إلى المستهلك.
كما تركز على تعزيز الإنتاج الزراعي ومواجهة آثار التغير المناخية، عبر إعطاء أهمية كبرى للاستدامة في ظل التحديات المناخية، وتشمل توسيع الحصاد المستدام لمياه الأمطار، وتطوير برامج مكافحة التصحر وحماية الأراضي، ودعم مشاريع استصلاح الأراضي في المحافظات، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتقليل فاقد المياه.
وتركز الموازنة على برامج تستهدف السكان الريفيين، وخاصة النساء والشباب، عبر برامج التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية، ودعم مشاريع مدرة للدخل للأسر الفقيرة بالمحافظات، وإنشاء مراكز تدريب وتشغيل للشباب بالمناطق الريفية، توفير التسهيلات الائتمانية للمزارعين وتحسين فرصهم في الحصول على تمويل، وتعد هذه الأولوية جزءًا من استراتيجية الحكومة لخفض معدلات الفقر والهجرة من الريف وتعزيز الإنتاج المحلي.
وتشير الموازنة لتوجه واضح نحو بناء البنية المعرفية الزراعية ودعم الابتكار، عبر دعم حاضنات ومسرعات الابتكار الزراعي، وتطوير خدمات المختبرات الزراعية، زيادة حجم الاستثمار بالتكنولوجيا الزراعية الحديثة، تطوير قطاع إنتاج البذور والبحوث الزراعية.
ويهدف هذا التوجه لتعزيز القدرة الإنتاجية وتطوير منتجات زراعية عالية القيمة تنافس في الأسواق.
كما وتركز الموازنة على تحسين سلسلة القيمة ورفع تنافسية الصادرات، عبر إنشاء مجمعات للصناعات الزراعية، وتطوير منظومة التسويق الزراعي، وتحفيز المصانع الغذائية التي تعتمد على المواد الخام المحلية.
موازنة واضحة المعالم
بدوره بين الخبير الدولي في مجال الأمن الغذائي د.فاضل الزعبي، أن موازنة "الزراعة" للعام 2026، واضحة المعالم لأولويات القطاع الزراعي في الأردن، حيث ارتفع حجم الإنفاق الكلي بنسبة 2.11 % مقارنة بالعام السابق، مع تركيز أكبر على المشاريع الرأسمالية التي شهدت زيادة تفوق 3 %.
وأضاف، إن هذا التوجه يعكس رغبة الحكومة بتعزيز الاستثمار بالبنية التحتية الزراعية، التحريج، ومراكز التدريب، بما يرسخ أسس الاستدامة بمواجهة تحديات المناخ وتراجع الموارد الطبيعية.
وتابع، تبرز بالموازنة خطوات نوعية نحو التحول الرقمي، إذ تخطط الوزارة لتحويل مائة خدمة زراعية إلى خدمات إلكترونية، وإنشاء نظام وطني لتتبع المنتجات من المزرعة إلى المستهلك، إلى جانب تدريب آلاف الموظفين سنويًا على المهارات الفنية والإدارية، هذه الإجراءات تمثل نقلة في تحديث الإدارة الزراعية وتسهيل وصول المزارعين إلى الخدمات، وتفتح الباب أمام بيئة أعمال أكثر كفاءة وشفافية.
كما وتولي الموازنة بحسب الزعبي، اهتماما خاصا بالاستدامة ومواجهة آثار التغير المناخي، عبر برامج حصاد مياه الأمطار، ومكافحة التصحر، واستصلاح الأراضي، في وقت تتجه فيه أيضا لتمكين المرأة والشباب الريفي عبر مشاريع مدرة للدخل ومراكز تدريب وتشغيل، وهذه البرامج لا تعزز الإنتاج المحلي فحسب، بل تسهم في الحد من الفقر والهجرة من الريف.
وأشار إلى أنه ومع ذلك، فإن نجاح هذه التوجهات يتطلب إدارة دقيقة للموارد، وتحديدا صارما للأولويات، إلى جانب وضع مؤشرات أداء واضحة لقياس النتائج على أرض الواقع، كما أن تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وضبط نمو النفقات الجارية، والاستفادة من التمويل الدولي، تبقى عناصر حاسمة لضمان أن تتحول هذه الموازنة من مجرد أرقام إلى نتائج ملموسة تعزز الأمن الغذائي، وتدعم التنمية الريفية المستدامة.
محاولة لتجميل الواقع
من جهته، قال المختص بالشأن الزراعي، م. سليمان تيم: تبدو موازنة وزارة الزراعة للعام 2026 وكأنها محاولة لتجميل الواقع أكثر من كونها خطة جريئة لمواجهة التحديات الحقيقية. صحيح أن الإنفاق ارتفع بنسبة 2.11 %، لكن هذه الزيادة المتواضعة قد لا ترتقي لمستوى أزمة الأمن الغذائي التي يعيشها الأردن بفعل الظروف الإقليمية والركود الاقتصادي العالمي، ولا إلى حجم التحديات المناخية وتراجع الموارد الطبيعية. فالمشاريع الرأسمالية التي ارتفعت بنسبة 3.31 % قد تبدو واعدة، لكنها ستظل مجرد أرقام إذا لم تُدر بشفافية، وإذا لم تُربط بمؤشرات أداء واضحة تقيس أثرها على حياة المزارعين والريف.
وأضاف، إن الوزارة تتحدث عن التحول الرقمي وعن تحويل 100 خدمة إلى إلكترونية، لكن السؤال الجوهري هو: هل هذه الخدمات ستصل فعلًا للمزارع البسيط في الكورة أو الطفيلة، أم ستظل حبيسة الشاشات والبيروقراطية؟ وهل تدريب آلاف الموظفين سيترجم إلى تحسين ملموس في الأداء، أم أنه مجرد بند إضافي في الرواتب والعلاوات؟
أما الحديث عن مكافحة التصحر وحصاد المياه، فقال، فهو ما يزال في إطار خجول ما لم يُقرن بخطط واقعية لمواجهة فاقد المياه الذي يلتهم الموارد الزراعية عامًا بعد عام، ومبادرات تمكين المرأة والشباب الريفي ستظل بلا أثر إذا لم تُرفق بتمويل حقيقي، ومتابعة صارمة، وضمان وصولها إلى المستحقين.
وقال: أخطر ما تكشفه هذه الموازنة هو استمرار تضخم النفقات الجارية، التي ارتفعت بنسبة 1.41 %، معظمها في بند الرواتب، ما يهدد بابتلاع أي زيادة مستقبلية ويترك المشاريع التنموية رهينة العجز. وإذا لم تُضبط هذه النفقات، فإن الوزارة ستظل أسيرة جهاز إداري متضخم يستهلك الموارد بدل أن يوجهها إلى الإنتاج.
وبين أن الموازنة تضع عناوين نحتاجها: "التحول الرقمي، ومكافحة التصحر، وتمكين المرأة"، لكنها بحاجة إلى مواجهة الواقع الصعب.
فالمطلوب ليس زيادة طفيفة في الأرقام، بل ثورة في إدارة الموارد، وشفافية في الإنفاق، وشراكات حقيقية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، مؤكداً أنه بدون ذلك، ستظل الموازنة وثيقة مالية قد لا ترتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، بينما يظل المزارع الأردني يواجه قسوة المناخ وضيق الحال.