أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Nov-2025

من السفر إلى الأكل والأفلام... الصين تعاقب «سياسات اليابان» بالاقتصاد

 الشرق الاوسط-القاهرة: لمياء نبيل

في غضون أيام قليلة، تحوّل تصريح واحد لرئيسة الوزراء اليابانية الجديدة، ساناي تاكايتشي، بشأن تايوان إلى أخطر أزمة دبلوماسية بين طوكيو وبكين منذ سنوات، بعدما قررت الصين الردّ بأداة باتت تجيد استخدامها، وهي «العقاب الاقتصادي»؛ إذ قالت تاكايتشي أمام المشرّعين إن أي هجوم صيني على تايوان يهدد بقاء اليابان، وقد يدفع طوكيو إلى ردّ عسكري، وهو ربط علني نادر بين أمن اليابان وأزمة مضيق تايوان. وبعد سويعات قليلة، سارعت بكين إلى مطالبة رئيسة الوزراء بالتراجع عن تصريحاتها، لكن الحكومة اليابانية أكدت أن ما قالته يتماشى مع الموقف الرسمي، في إشارة إلى أن التراجع غير وارد.
 
ومع غياب أي بوادر لاختراق دبلوماسي، بدأت الصين تفعيل سلسلة من الضغوط الاقتصادية والرمزية شملت المأكولات البحرية والسياحة والفعاليات الثقافية؛ وحتى الأفلام، لتبعث برسالة مفادها أن تكلفة الموقف السياسي الياباني لن تكون بسيطة.
 
 
المأكولات البحرية في قلب العاصفة
وتمثلت أحدث حلقات التصعيد في إبلاغ بكين لطوكيو بأنها ستعيد فرض حظر واسع على واردات المأكولات البحرية اليابانية، بعد شهور فقط من تخفيف قيود سابقة. وكانت الصين قد خففت في يونيو (حزيران) الماضي بعض القيود المفروضة على المنتجات البحرية اليابانية، واستأنفت الاستيراد من كل المحافظات تقريباً باستثناء عشر من أصل 47 محافظة يابانية، وذلك في أعقاب الجدل حول تصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما.
 
الخطوة الجديدة تمثّل ضربة موجعة للقطاع، إذ كانت الصين قبل قيود 2023 أكبر مشترٍ للمحار الياباني، ووجهة رئيسية لمنتجات مثل خيار البحر. ووفق بيانات رسمية، كانت السوق الصينية تستحوذ على أكثر من خُمس صادرات اليابان من المأكولات البحرية. وأجهض القرار الجديد أحلام كثير من الشركات اليابانية التي كانت تترقب العودة إلى «أكبر سوق لها»؛ إذ تقدم نحو 700 مصدر بطلبات لإعادة التسجيل تمهيداً لاستئناف الشحنات إلى الصين، لكن ثلاثة فقط حصلوا حتى الآن على الموافقة. ومع إعادة تفعيل الحظر تحت غطاء «الحاجة إلى مزيد من المراقبة» لتصريف مياه فوكوشيما، تبددت آمال واسعة بتعافي الصادرات الغذائية في المدى القريب.
 
 
السياحة... مقاطعة مُوجِعة لاقتصاد هشّ
وفي خطوة أبعد من الأسماك والمحار، اتجهت بكين إلى ورقة شديدة الحساسية لليابان وهي السياحة؛ فقد حثّت السلطات الصينية مواطنيها على عدم السفر إلى اليابان بسبب النزاع الدبلوماسي، لتبدأ على الفور موجة إلغاءات واسعة في الرحلات والحجوزات.
 
وفي طوكيو، خسرت شركة «إيست جابان إنترناشيونال ترافيل سيرفيس»، المتخصصة في تنظيم الرحلات الجماعية للزبائن الصينيين، نحو 80 في المائة من حجوزاتها لبقية العام خلال أيام، وفق ما قاله نائب رئيسها يو جينكسين، الذي وصف الوضع بأنه «خسارة فادحة».
 
وتكتسب هذه التطورات خطورتها من الوزن الكبير لقطاع السياحة في الاقتصاد الياباني؛ إذ تشكّل السياحة نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب المجلس العالمي للسفر والسياحة، وكانت خلال السنوات الأخيرة محركاً أساسياً للنمو. ويُظهر الإحصاء الرسمي أن الزوار من البرّ الرئيسي للصين وهونغ كونغ يمثلون نحو خُمس إجمالي الوافدين إلى اليابان.
 
وتشير تقديرات معهد «نومورا» الياباني للأبحاث إلى أن مقاطعة السفر الصينية قد تُكلّف طوكيو نحو 2.2 تريليون ين (نحو 14.2 مليار دولار) سنوياً إذا استمرت، في وقت تعاني فيه البلاد أصلاً من تباطؤ استهلاكي وضغوط تضخمية على الأسر. وقد عرضت أكثر من عشر شركات طيران صينية بالفعل استرداد قيمة التذاكر على الرحلات المتجهة إلى اليابان حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، مع تقديرات بإلغاء نحو 500 ألف تذكرة، ما يعني تراجعاً حاداً في عدد الزوار خلال فترة عادة ما تكون نشطة سياحياً.
 
 
الثقافة والترفيه في مرمى الرسائل السياسية
ولم يتوقف التصعيد عند حدود التجارة والسفر؛ فالصين انتقلت أيضاً إلى الفضاء الثقافي والترفيهي، في خطوة تحمل بعداً رمزياً ورسالة موجهة إلى الرأي العام. ونقلت مصادر مطلعة أن الهيئة المنظمة للأفلام في الصين جمّدت الموافقات على الأفلام اليابانية الجديدة، وأوقفت طرح ستة أفلام كانت قد حصلت أصلاً على موافقة سابقة وجدول عرض. والقرار الذي لم تعلّق عليه السلطات الصينية على الفور، أثار مخاوف لدى شركات الإنتاج والتوزيع اليابانية التي تراهن على السوق الصينية الضخمة لتعويض ركود نسبي في الإيرادات المحلية.
 
كما أُلغيت عروض لفرق كوميدية يابانية في مهرجان مرتقب في شنغهاي بسبب «ظروف لا يمكن تجنبها»، وفق شركة «يوشيموتو كوغيو» الترفيهية. وأيضاً أوقف فريق غنائي ياباني فعالية جماهيرية في كانتون متذرعاً بـ«القوة القاهرة»، في مؤشر على أن المشهد الفني الياباني يتأثر سريعاً ببرودة الأجواء السياسية. ورداً على تصاعد الحساسية، سعى بعض المشاهير اليابانيين المحبوبين في الصين إلى تجنب ردود فعل غاضبة. فقد كتبت المغنية اليابانية ماريا على منصة «ويبو» قائلة إن «الصين بمثابة وطني الثاني، وأصدقائي في الصين هم عائلتي العزيزة، وسأدعم دائماً مبدأ الصين الواحدة».
 
 
طوكيو بين ثبات الموقف وحساب التكلفة
في المقابل، تبدو الحكومة اليابانية متمسكة بخطابها، فطوكيو تؤكد أن تصريحات تاكايتشي بشأن تايوان «منسجمة مع الموقف الحكومي»، مما يعني أن تلبية مطلب بكين بالتراجع الرسمي غير مطروحة حالياً. وفي الوقت ذاته، حذرت «الخارجية اليابانية» مواطنيها في الصين من ضرورة اتخاذ احتياطات إضافية وتجنب الأماكن المزدحمة، بعد موجة من التعليقات الحادة في الإعلام الرسمي الصيني ضد رئيسة الوزراء.
 
وتزيد السوابق التاريخية بين البلدَين من قلق المجتمع الاقتصادي الياباني. ففي عام 2012، حين قررت طوكيو تأميم جزر متنازع عليها في بحر الصين الشرقي، اندلعت احتجاجات واسعة في مدن صينية عدة، وشهدت العلامات التجارية اليابانية مقاطعة شعبية وخسائر ملحوظة... لكن كثيراً من رجال الأعمال يحذرون من أن الأزمة الحالية قد تكون أعمق وأطول أمداً، نظراً إلى تداخل ملفات الأمن الإقليمي مع التنافس الاستراتيجي الأوسع بين القوتين.
 
وفي جوهره، النزاع الحالي يتجاوز ثنائيّة الصين واليابان، إذ يحمل رسائل إلى عواصم أخرى في المنطقة والعالم، مفادها أن المواقف السياسية من ملف تايوان لن تمر من دون تكلفة... فبكين توظّف ثقلها الاقتصادي وسوقها الاستهلاكية الضخمة للضغط على الحكومات والشركات معاً، فيما تراهن طوكيو على دعم غربي أوسع لنهجها الأمني الجديد في آسيا.
 
وبينما تحسب اليابان ثمن المقاطعة في السياحة والغذاء والترفيه، تراهن الصين على أن الضغوط المتدرجة قد تدفع بعض الدوائر الاقتصادية اليابانية إلى المطالبة بنبرة أكثر حذراً تجاه تايوان. لكن حتى الآن، لا مؤشرات على تسوية قريبة، مما يعني أن «الحرب الباردة الاقتصادية» بين الجارتَين مرشحة للاستمرار، مع احتمال اتساع دائرتها لتشمل قطاعات أخرى في حال لم تُطفأ جذوة التوتر السياسي.