الدستور
يمتلك الأردن واحداً من أغنى المخزون السياحي في المنطقة، من البترا إلى وادي رم، ومن البحر الميت إلى المواقع الدينية والتاريخية التي لا تُقدّر بثمن. ومع ذلك، لا يزال القطاع السياحي يواجه تحديات جوهرية تمنعه من تحقيق كامل إمكاناته الاقتصادية. فالفرق بين ما يملكه الأردن وما يحققه فعلياً من عائدات سياحية يكشف وجود فجوة تحتاج إلى معالجة جذرية واستراتيجية طويلة الأمد.
أولاً: المعوّقات التي تحدّ من الجذب السياحي في الأردن
1. ارتفاع الأسعار وعدم تنافسية التكلفة
يُعد الأردن واحداً من أغلى الوجهات في المنطقة من حيث الإقامة والطعام والمرافق، خاصة السياحة الداخلية. هذا الارتفاع يشكل حاجزاً صلباً أمام السائح العربي والأجنبي على حد سواء.
2. ضعف البنية التحتية في بعض المواقع
رغم كفاءة المطارات والطرق الرئيسية، إلا أن بعض المواقع السياحية تفتقر إلى:
- مرافق خدمية ملائمة
- وسائل نقل فعّالة
- لوحات إرشادية واضحة
- خدمات نظافة وصيانة مستمرة
3. نقص الترويج السياحي الخارجي
تعاني السياحة الأردنية من ضعف الحملات العالمية مقارنة بدول منافسة مثل الإمارات أو مصر أو تركيا. كما أن التسويق الرقمي لا يزال أقل من المتوقع لبلد غني بالمواقع الفريدة.
4. محدودية التنوع في الأنماط السياحية
يعتمد الأردن بشكل كبير على السياحة التاريخية والدينية، بينما لا يزال التطوير في:
- السياحة العلاجية
- السياحة البيئية
- سياحة المغامرة
- سياحة المؤتمرات
أقل مما يجب أن يكون.
5. البيروقراطية وضعف التحفيز للمستثمرين
الاستثمار في السياحة الأردنية ما زال يواجه إجراءات طويلة وأعباء مالية، مما يحدّ من تطور المشاريع السياحية الكبرى والمتوسطة.
6. غياب الربط السياحي بين المحافظات
يزور السائح البترا ووادي رم، ثم يغادر دون استغلال باقي المواقع الغنية في المحافظات لغياب الربط السياحي والخدمات اللوجستية.
ثانياً: الطرق الصحيحة لإزالة المعوّقات وتنشيط القطاع السياحي
1. تخفيض الأسعار وتعزيز التنافسية
- إعادة هيكلة الضرائب والرسوم على قطاع السياحة
- تخفيض أسعار الفنادق في المواسم الهادئة
- إطلاق حزم سياحية اقتصادية موجهة للسياح العرب
2. تطوير البنية التحتية وتحديث الخدمات
- تحسين الطرق المؤدية للمواقع السياحية
- زيادة عدد المرافق الخدمية العامة
- إطلاق خطوط نقل سياحي حديثة ومنتظمة
- توفير خدمات ذكيّة (Wi-Fi) ، بطاقات سياحية إلكترونية.
3. استراتيجية ترويج دولية حديثة
- إطلاق حملات عالمية تستهدف أوروبا، شرق آسيا، والخليج
- استخدام الإعلام الرقمي والمؤثرين عالمياً
- إنشاء أفلام قصيرة توثق جمال الأردن وتاريخه
4. توسيع وتنويع الأنماط السياحية
- تطوير السياحة العلاجية في البحر الميت وحمامات ماعين وعفرا والحمة الأردنية.
- تعزيز سياحة المغامرة في وادي رم والبادية وسد الموجب.
- دعم السياحة البيئية في عجلون ودبين
- جذب مؤتمرات ومعارض عالمية للأردن
5. تحفيز المستثمرين المحليين والأجانب
- تبسيط الإجراءات الحكومية
- تقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع السياحية في المحافظات
- دعم المشاريع الصغيرة في المجتمعات المحلية
6. ربط الوجهات السياحية بخطط متكاملة
- إنشاء مسار سياحي وطني مترابط يشمل شمال ووسط وجنوب الأردن
- دعم شركات النقل السياحي بأسطول حديث
- توفير خرائط ومسارات سياحية إلكترونية متعددة اللغات
ثالثاً: تحقيق الدعم المالي الحقيقي لخزينة الدولة من السياحة
لتتحول السياحة إلى رافد اقتصادي ثابت للخزينة، لا بد من اعتماد رؤية تشمل:
- رفع عدد السياح الأجانب من خلال تسويق احترافي عالمي
- دعم السياحة الداخلية بأسعار معقولة لتحريك عجلة الاقتصاد المحلي
- تطوير مشاريع البنية التحتية المستدامة لجذب الاستثمار
- تنمية القوى العاملة السياحية وتدريبها باحترافية عالية
- إشراك المجتمع المحلي في المشاريع السياحية لضمان الاستدامة
وعليه فالسياحة ليست قطاعاً ترفيهياً، بل هي صناعة استراتيجية لها القدرة على إنعاش الاقتصاد الوطني إذا ما تمت إدارتها بذكاء. والأردن، بما يملكه من إرث تاريخي وطبيعي وروحي، قادر على أن يكون أحد أهم الوجهات العالمية، لكن ذلك يتطلب إزالة المعوّقات والارتقاء بالإدارة والترويج والاستثمار. الطريق واضح، والإمكانات موجودة، وما ينقص هو الإرادة التفاعلية وتطبيق الخطط على أرض الواقع.