اقتصاد الانتباه!*م. هاشم نايل المجالي
الدستور
في العصر الرقمي الحالي، أصبح لأقطاب التكنولوجيا الحديثة تأثير بالغ في تشكيل واقعنا المعاصر ومستقبلنا، هؤلاء أصحاب الشركات الكبيرة مثل فيسبوك ومايكروسوفت وغيرها، لم يحدثوا تغييرات تقنية فحسب، بل أصبحوا يمتلكون قدرة هائلة على التأثير في الاقتصاد والسياسة والاجتماع عبر منصاتهم المختلفة والمتنوعة والقابلة للتحديث باستمرار لتواكب التطورات التقنية والأهداف والغايات التي ينشدونها.
ولقد أصبح هؤلاء أصحاب تلك الشركات الكبرى، ومن خلفهم من منظمات أو دول، يرسمون سياسات مجتمعات واقتصادات دول ويحددون كيفية تفاعل الأفراد مع العالم من حولهم، حيث يتم توجيه الرأي العام والتأثير على السياسات العامة.
وبالتوازي مع تقدّم تقنيات حديثة مثل الذكاء الصناعي والواقع الافتراضي، تتوسع قدرات وإمكانات هؤلاء الأشخاص لتشكيل ورسم مستقبل دول، حيث يثير هذا النفوذ العالمي العديد من التساؤلات حول الأبعاد السياسية والأخلاقية لهذه التحولات السريعة، فالبعض كان يتوقع أن تفتح هذه التقنيات والابتكارات آفاقاً جديدة للإنسانية، ويرى آخرون أن هذه القوة أصبحت متمركزة في يد قلة قليلة تؤدي إلى استغلال واسع النطاق، مما يفاقم العديد من الفجوات المجتمعية بين الأفراد والمجتمعات وغيرها.
وهناك طموح لهؤلاء الأشخاص في رسم ملامح مستقبل بعض الدول، فهناك حتماً من هو من خلفهم من أيدٍ خفية، خاصة مع تعاظم قوة شركات التكنولوجيا يوماً بعد يوم، حيث يطرحون من حين لآخر ابتكارات وحلولاً تقنية يغرقون بها المجتمعات، حيث أصبح الفرد مستهلكاً رئيسياً مدمناً على ذلك، ينتظر الابتكار التالي ليشكّل عنصراً هاماً في حياته المجتمعية والعملية.
فلقد أصبح الذكاء الصناعي يعيد تشكيل ملامح سوق العمل الصناعي والمنزلي والمجتمعي، ولقد أصبحت هذه الشركات تغيّر بشكل جذري الطريقة التي نعيش بها، وأصبح هناك تنافس كبير بين تلك الشركات لجذب الانتباه، حيث أصبح الاقتصاد يعتمد على اقتصاد الانتباه، إذ تسعى تلك الشركات التكنولوجية إلى جذب انتباه المستخدمين طوال الوقت ثم تحويل هذا الانتباه إلى قيمة اقتصادية من خلال استغلال معلومات المستخدمين والترويج لخدمات تتناسب مع اهتماماتهم.
حتى أصبحت أيضاً توجّه سلوك المستخدمين عن طريق ما يعرف بـالتكنولوجيا الإقناعية، حيث تغيّر أيضاً قناعاتهم ومعتقداتهم من أجل تحقيق أهداف وغايات محددة قد تكون سياسية أو غيرها، فكل صاحب شركة له رؤيته الخاصة وتصوراته نحو المستقبل، فهم يقودون العالم نحو سيناريوهات مستقبلية قد تتصارع كثيراً بين الحين والآخر عندما تتضارب المصالح، خاصة حول صياغة العوالم الرقمية التي أصبحت تشكّل حياتنا الحالية والمستقبلية.
فلقد أصبح واضحاً أيضاً الخلط بين الإنسان والآلة، وبين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي، حتى لا يكاد يتبين لنا ما هو حقيقي فعلاً وما هو مزيف. فمشروع ربط الدماغ بالذكاء الصناعي ليس له حدود من التأثيرات على عقل الإنسان ودماغه، وهي حتمية تكنولوجية معتبرين أن التكنولوجيا تمثل أداة الوصل إلى حياة حضارية حديثة أفضل مما هو عليه سابقاً وحالياً، في عالم السوق الحرة لتلك الشركات العملاقة المتنافسة في أهدافها وغاياتها لشبابنا وطلابنا من الصغر إلى الكِبَر، في اتجاه المجازفة والفردية والفكر المفتوح.
فهي مخاطر وجودية، خاصة التأثير المباشر في كثير من القرارات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، حيث تعتبر هذه الشركات نفسها فاعلاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً تحت شعار أن البشر يسيرون نحو الأفضل.
وإذا كانت الفجوة كبيرة بين القوة التي يمتلكها أقطاب التكنولوجيا وبين قوتنا كأفراد أو كمجتمعات، فإن هذا يخلق تحدياً هائلاً في إمكانية استخدام التكنولوجيا بطريقة عادلة وآمنة، بعد أن يثبت أن تلك الشركات تمتلك أدوات رقابة وتأثير على حياتنا اليومية.
فلا بد من تمكين شبابنا بالمعرفة والأدوات التي تسمح لهم بالتحكم في بياناتهم وطرق استخدام التكنولوجيا دون أن تشكل خطراً عليهم وعلى وطنهم وعلى مجتمعهم، كما أن تغير الثقافة المجتمعية ليصبح الناس أكثر وعياً بتأثيرات التكنولوجيا على حياتهم اليومية يقلّص هذه الفجوة.